أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١]، أوِ الحثّ عَلَى التّفكّرِ في خلْقِ السّموَات وَالأرْض في أنْفُسِهم؟
نَقُول: يُراد بِه كِلا الأمْرَينِ، لكنَّ الأقربَ الأخيرُ؛ وَلِهَذا قالَ: {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ}، فالمعْنَى: (أَوَلم يَرْجِعُوا إِلَى أنْفُسِهم ويتَفكَّروا تفكيرًا حقيقيًّا في هَذا الكوْنِ ليَعْرِفُوا بذَلِك حكمَةَ الله عَزَّ وَجَلَّ وما يتضَمَّنُه مِن صفَاتِه العظِيمَةِ).
قوْله تَعالَى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: {ومَّا} نَافِيَة، والدّلِيلُ قوْله تَعالَى: {مَا خَلَقَ}، {خَلَقَ} بمعْنَى أوْجَد وأبْدَع، ولا يَكُون غالبًا إلا بتَقْدِيرٍ وتنظيمٍ؛ لأَنَّ أصلَ الخلْقِ التّقْدِيرُ في النّفْسِ، كما قال الشّاعر:
وَلأنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وَبَعْـ ... ـضُ النّاس يَخْلُقُ ثمَّ لا يَفْرِي (١)
يَعْني تُمْضِي ما قَدَّرتَ، فالخلْقُ هُو الإبْداعُ بتَقْديرٍ وتنْظِيمٍ.
وقوْله تَعالَى: {السَّمَاوَاتِ}: المرَادُ بِها الطّباقُ، وكانَتْ سبْعًا.
وقوْله تَعالَى: {وَالْأَرْضَ}: مفْرَدٌ، والمرَادُ الجِنْس، فيَشْمَلُ جَميعَ الأرْضينَ وهِي سبْع، وعُطِفت عَلَى السّمَوَاتِ وهِي منصُوبَةٌ؛ وَلِهَذا فُتِحَتْ بخلَافِ {السَّمَاوَاتِ}؛ لأنَّهَا جَمْعُ مؤنَّثٍ سالِم.
وقوْله تَعالَى: {وَمَا بَيْنَهُمَا}: {مَا} اسْمٌ موصُولٌ معطُوفٌ عَلَى السّمواتِ، والعلَماءُ يقُولونَ أنَّه إذا تعدَّدَتِ المعطُوفَاتُ فالمعطُوفُ علَيْه هُو الأوَّل؛ لأنَّهُ المبَاشِرُ للعامِلِ وما بَعْدَه فرْع علَيْهِ، فيكُونُ العطْفُ إِذَنْ عَلَى {السَّمَاوَاتِ}، فلَو قُلْتَ: جاءَ زْيدٌ وعمْرٌ ووبَكْر وخالدٌ وسعيدٌ، فسَعِيا معطُوفٌ عَلَى زيدٍ الأوَّلِ؛ لأَنَّهُ المباشِرُ
(١) ذكر الجوهري في الصّحاح (٤/ ١٤٧١)، ونسبه إلى الشّاعر زهير بن أبي سلمى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute