للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومَا بعْدَه فرْعٌ، والفرْعُ لا يُعْطَفُ عَلَى فرْع، بَل يُعْطَفُ عَلَى أصْلٍ.

وقوْله تَعالَى: {وَمَا بَيْنَهُمَا} البيْنيَّةُ لا تقتضِي التماسَّ، فقَدْ يكونُ الشّيْءُ بيْنَ الشّيئَيْن وهُوَ لا يمسُّ أحدَهما، فهنا الَّذي بيْنَ السّماءِ والأرْض لا يلزمُ أنْ يمَسَّ أحدَهما، لكنَّه يمكِن أن يمسَّ، فعَلى هَذا نقولُ: {وَمَا بَيْنَهُمَا} يشمَلُ السّحابَ والرّياحَ والنّجومَ والشّمسَ والقمرَ وغيرَ ذَلِك مِنَ المخلوقَاتِ العظِيمَةِ التي لا نعلَمُها، وفي التّنْصيصِ عَلَى ذِكْر مَا بيْنَ السّموَاتِ وَالأرْض دليلٌ عَلَى أنَّ ما بَيْنَهُما أمْرٌ عظِيمٌ يُقارَنُ بنَفْسِ السّموَاتِ وَالأرْض، وَهَذا يعلَمُهُ أهْلُ الفلَكِ الَّذِين يَطَّلِعُونَ عَلَى مَا في الأفُقِ مِنَ الآيَات العظِيمَةِ التي تدُلّ عَلَى مَا تدُلّ علَيْه مِنْ كَمالِ الله عَزَّ وَجَلَّ.

وقوْله تَعالَى: {إِلَّا بِالْحَقِّ}: هَذا محَطُّ الفائِدَةِ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا}، فهذَا حصْر، أيْ هَذا الخلْقُ مُقارَن بالحقِّ، فـ (الباءُ) إِذَنْ للمُصاحَبَةِ والملَابَسَةِ، أيْ أنَّ خلْقَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مصْحُوبٌ بالحقِّ؛ لأنَّهُ مُتضمِّنٌ لكَمالِ العدْلِ وكَمالِ الصّدْق، كما قامَتِ السّموَاتُ وَالأرْض إلا بالعدْل، والعدْلُ حقٌّ، وهذَا يشْمَلُ أنْ يكُونَ الغايَةُ منْ خلقِها الحقَّ ابتداء وانتهاء، كمَا قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياء: ١٦]، وَلَوْ كانَتْ هَذِهِ السّموَاتُ وَالأرْض خُلِقَتْ لتَحْيا الخليقَةُ عليْها وتَعِيشَ وتمُوتَ بِدُونِ جَزَاءٍ ولا حِسابٍ ولا ثَوابٍ ولا عِقابٍ لكَانَ خلْقُها بَاطِلًا ولَيْس بحَقٍّ.

إِذَنْ: لا بُدَّ لهذهِ المخلُوقاتِ العظِيمَةِ أنْ يكُونَ لها غَايَةٌ، وهَذِه الغايَةُ هِيَ الحقُّ، فعَلى هَذا نَقُولُ: إِنَّ قوْله تَعالَى: {بِالْحَقِّ} يشمْلُ الابْتِداءَ والانْتِهاءَ.

وقوْله تَعالَى: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى}: معطُوفٌ عَلَى قوْلِه تَعالَى: {بِالْحَقِّ}، يعْنِي ما خلَقَهم أيضًا إلا بأَجَلٍ مُسمًّى، أيْ مُعيَّن، والأجَلُ غايَةُ الشّيْءِ، وهُوَ مُسمًّى مِن

<<  <   >  >>