للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: ١١١] , وفي السُّنَّة أيْضا كثِيرٌ مِن ذَلِك، مثْلَ قوْلِه - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكَ مِنْ إِبلٍ؟ " قال: نعم، قال: "فما لَوْنُه" قال: حمر (١)، الحديثَ، وقوْلُه: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أمِّكِ دَيْن أَكُنْتِ قَاضِيتَهُ" (٢).

وَكَذلِكَ العَقْلُ يقْتَضِي ثُبوتَ القِيَاسِ، فإِنَّ العَقْلَ السّلِيمَ الصَّرِيحَ لَا يُمْكِنُ أنْ يُفَرِّقَ بيْنَ مُتماثِلَيْنِ أبدًا، ودَائِمًا حتَّى الصّبيُّ إِذا منَعْتَه مِن شَيْءٍ وأبحْتَ لَهُ نَظِيرَه، قَال: لماذا؟ ألَيْسَ هَذا مثْلَ هَذَا؟ ! فهَذا مما تشْهَدُ العُقولُ وَالنّصوصُ والفِطَرُ بثُبوتِه، لكنَّ القِياسَ الباطِلَ الَّذي يتوَسَّعُ فِيه بعضُ النّاسِ حتَّى يُعطِّلُوا دِلالَةَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ لا شَكَّ أنَّه بَاطِل، أمَّا القِيَاسُ الصَّحِيحُ فإِنَّهُ لَا ريبَ في ثُبوتِهِ، والَّذِين أنكَرُوا القِيَاسَ هُمْ في الحقِيقَةِ مُضطَّرِبُونَ، فأحْيَانًا يقُولُونَ بالقِياسِ مِن حيْثُ لا يَشْعُرونَ وَلا يُمْكِنُهم إِلَّا أنْ يقيسُوا لأَنَّنا لَو أرَدْنا أنْ نَحْصرَ دَلالةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ عَلَى الأحْكامِ عَلَى سَبِيلِ العُمُوم والقَواعِدِ والضَّوابِطِ فهِي وَافِيةٌ، لكِنَّ الأفْرادَ والجزْئِيَّاتِ لَا مُنتهى لَها وَلا حصْرَ لَها، وهُمْ لا بُدَّ أنْ يُضطَّرُوا إِلَى إثْبَاتِ ذَلِك.

يدخلُ في العُمُومِ مِن حيْثُ الشُّمولُ اللَّفْظِي إِنْ كَان داخِلًا في اللَّفْظِ أحْيانًا لَا يدْخُلُ في اللَّفْظ لكِنْ يشْمَلُه العُمُومُ المعنَوِيُّ وهُوَ القِياسُ؛ لأَنَّ العُمُومَ المعْنَوِيَّ هُو القِيَاسُ.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب إذا عرض بنفي الولد، رقم (٥٣٠٥)، ومسلم: كتاب اللعان، رقم (١٥٠٠).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل، رقم (٧٣١٥).

<<  <   >  >>