هذه الأصوات استمدت من صوت جمال الدين قوتها الباعثة، بل كأنها صدى لصوته البعيد، لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات (بن باديس)(١) فكانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدر يتحرك، ويا لها من يقظة جميلة مباركة، يقظة شعب ما زالت مقلتاه مشحونتين بالنوم، فتحولت المناجاة إلى خطب ومحادثات ومناقشات وجدل، وهكذا استيقظ المعنى الجماعي؛ وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث الشعب، فتساءل الناس: كيف نمنا طويلاً؟ وهل استيقظنا حقا؟ وماذا يجب أن نفعل الآن! ولقد كانت هذه الأسئلة على شفاه قوم غمرتهم الدهشة، وما زالوا يتقلبون في خدر النوم، يتلمسون منه فكاكا.
كانت الحكومة في شك من أمرها، ومن المفيد أن نذكر كم كانت بطيئة في تكيفها مع الظروف الجديدة، فبعد عشر سنوات، أي حوالي عام ١٩٣٣، لم تكن هذه الحكومة قد تفهمت تلك الظروف، إذ نجد أن حاكم الجزائر- وقد أصدر لائحته المشهورة التي حرمت المساجد على العلماء المصلحين- نجده يصفه الشعب الجزائري بأنه " شعب خامل"!!.
ومن الواجب أن نذكر أن هذا الخمول الذي لم يكن إلا في الإدارة الاستعمارية الشائخة هو السبب الأساسي للبلاء، بينما البلاد قد شاعت فيها الحيوية، وامتلأت بالغليان والثورة.
لقد انطلقت الأفكار، ثم تلاقت وتصارعت، فكانت أحيانا تنفجر شأن فقاقيع الهواء على سطح (الغلاية)، وأحيانا أخرى تتحول مباشرة من حالة الجمود إلى حالة التبخر والشيوع، في صورة مدرسة، أو مسجد، أو مؤسسة إصلاحية، وظهرت النظريات الاجتماعية التي كانت يومئذ رائجة في سوق الأفكار، ظهرت هذه النظريات في أفكار الشباب المتطلعين إلى كل تجديد، فهذا يرنو إلى المذهب الكمالي، وذاك يأخذ بالمذهب الوهابي، وذلك ينزع إلى التمدن الغربي، ومنهم من انحدر بفكره إلى مذهب المادة، وكل واحد من هؤلاء وأولنك