يتخذ ملبسا يعبر عن نزعة تفكيره، فهذا يلبس القبعة ليشعرنا بأنه يقفو أثر مصطفى كمال، وأنه تزعم تحرير النساء، وأنه يريد أن ينشر في البلاد التدريس المدني (اللاديني)، وأنه يريد أن يبدل مكان الشريعة القانون الوضعي.
ونرى من بين هؤلاء وأولئك عمائم الإصلاح، تدلنا على منهاج آخر يقوم على عقيدة صحيحة، ورجوع إلى السلف الصالح، وتغيير ما بالنفس من آثار الانحطاط.
ولكنا نرى أن هذه القيادات والاتجاهات- رغم تباينها واختلافها- كانت متفقة على نقطة هي: إرادة الحركة والتجديد والفرار من الزوايا الخرافية إلى المكاتب العلمية، ومن الخمارات الحقيرة إلى مواطن أكثر طهارة وفائدة.
ولقد كانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب هذه الحركات إلى النفوس، وأدخلها في القلوب، إذ كان أساس منهاجهم الأكمل قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
فأصبحت هذه الآية شعار كل من ينطرح في سلك الإصلاح في مدرسة (بن باديس) وكانت أساسا لكل تفكير. فظهرت آثارها في كل خطوة، وفي كل مقال، حتى أشرب الشعب في قلبه نزعة التغيير فأصبحت أحاديثه تتخدها شرعة ومنهاجا، فهذا يقول: لا بد من تبليغ الإسلام إلى المسلمين، وذاك يعظ: فلنترك البدع الشنيعة البالية التي لطخت الدين، ولنترك هذه الأوثان. وذلك يلح: يجب أن نعمل، يجب أن نتعلم، يجب أن نجدد صلتنا بالسلف الصالح، ونحيي شعائر المجتمع الإسلامي الأول.
وإنه لتفكير سديد؛ ذلك الذي يرى أن تكوين الحضارة كظاهرة اجتماعية إنما يكون في نفس الظروف والشروط التي ولدت فيها الحضارة الأولى، كان هذا صادرا عن عقيدة قوية، ولسان يستمد من سحر القرآن تأثيره، ليذكر الناس بحضارة الإسلام في عصوره الزاهرة.