هذه الآية فلن يستطيع درويش جديد أن يهدد البلاد بخطر خرافته، ولكن زلة العلماء عام ١٩٣٦ كان لها أكبر الأثر في عودة البلاد إلى الأفكار الوثنية؛ فقد كان من آثار هذه النكسة تلك الزردة الكبرى التي أقامتها (النخبة) من رجال السياسة في بلدة (سطيف)، حيث أمسكت بكلتا يديها المبخرة، ثم ألقت فيها العود الأخير من " الجاوي " المبارك الذي كان السدنة يعطرون به زواياهم.
وما كانت تلك الزردة إلا ابتداء لدروشة جديدة، تذهب معها جهود الاصلاح هباء، وكأنها لم تكن؛ دروشة لا تختلف عن سابقتها إلا بأنها تبيع بدل الحروز والتمائم حروزاً في شكل آخر، هي أوراق الانتخابات، والحقوق السياسية، والأماني السابحة في الخيال.
ومع ما استجلبناه من مصر (الفاروقية) من الاسطوانات والأشرطة السينمائية المجافية للفن والأخلاق، فإِننا قد استجلبنا منها أيضاً أسساً لسياستنا تقوم على أفكار تضلل العقول البسيطة، كان لها أسوأ تأثير في حياتنا، حيث اتخذتها (الدروشة السياسية) شعاراً لها ومبدأ، وكررتها على مسمع من الشعب، حيث رددها معها سنين طويلة، صباح مساء:(إن الحقوق تؤخذ ولا تعطى)! لحاها الله كلمة تطرب وتغري، فالحق ليس هدية تعطى، ولا غنيمة تغتصب، وإنما هو نتيجة حتمية للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الاجتماعي، المرتبط بسلوكه النفسي.
وإنها لشرعة السماء: غير نفسك، تغير التاريخ!
وعلى هدى هذه الكليمة بدأ الإصلاح الجزائري من النفس- هادفا في جوهره إلى تغيير الإنسان، فبعث فيه روحا وثابة، أشرقت معها بوادر النهضة الكبرى، وكان الانطلاق الرائع للضمير الشعبي فيما قبل عام ١٩٣٦ في انسجامه، واطراده، وحماسه، هو ملحمة الفكرة الاصلاحية التي توَّجها المؤتمر الإسلامي المنعقد في ذلك العام.
وخلال العصر الذهبي الذي بدأ عام ١٩٢٥، واستمر حتى زوال المؤتمر