للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذي مات في مهده، وكنا نشعر بالنهضة، ولم يكن زادنا في مبدأ رحلتنا سوى كلمات من الفصحى، وبعض آيات من القرآن، وهكذا ابتدأت على أثر هذه النهضة المدارس الأولى، تشيد بسيطة متواضعة، كتلك المدارس الأولى التي افتتحت في الغرب، في عهد شارلمان والتي كانت أصولا للمدنية الغربية.

ولقد كنا إذ ذاك، إذا ما خلصنا إلى سمرنا نتحدث حديث " الغشيم"!! ..

ولكنه ليس عقيما، إذ هو يدور حول الشئون الاجتماعية، كالتعليم

والتربية، وتطهير الأخلاق، والعادات، ومستقبل المرأة، واستخدام رؤوس الأموال. وكانت هذه الأحاديث ذات قيمة، لأنها كانت بعيدة عن منطق الغوغاء، وعن الرياء، والذاتية، وعن النزعات الانتخابية، فقد أصبحت لكل كلمة من هذه الكلمات قيمتها في الوسط الجزائري. ولكل سعي أثره وإن قل؛ إذ هو يساهم في بناء التقدم والنهضة، تماما كما تساهم القشة الصغيرة في بناء عش الطير، إبان الربيع.

ولم يتخلف الأدب الجزائري عن الركب، فقد بدأ يصور تقدم البلاد في قصائد، جدد فيها نشاطه بعد ركود طويل، كانت تلك القصائد تغني ربيع النهضة، أي ربيع الفكرة، لا ربيع الصنم.

وكنت ترى في كل مسجد أو مدرسة أو منزل حديث الاصلاح، بين مؤيد ومنتقد، ولكن كلا الفريقين كان يتمتع باللسان العِف، والسريرة النقية. إذ كانت المبادىء هدفهم من وراء اختلافهم، لا الأعراض الشخصية والوظائف السياسية.

وكانت الأمة تقدم تضحياتها لبناء المدارس والمساجد من أجل البعث الفكري، والبعث الروحي، اللذين هما عماد كل حضارة في سيرها الحثيث.

ولعلك تلاحظ كم يكون شاقاً القيام بهذه التضحيات في بلاد فقيرة، امتص المستعمر خيراتها، غير أن الشعب الذي آمن بالفكرة، كان عزاؤه في جهده الشاق، أنه سوف يحظى بالعاقبة الحميدة. لقد كان يعيش في جو من الحماس يتيح له أن يصنع المعجزات الاجتماعية، من تغيير العوائد والأفكار، والاتجاهات

<<  <   >  >>