والأشياء، وكانت الاستجابة لهذه التحولات بادية في تقاليد مدينة (تبسَّة) مثلاً، تلك المدينة التي بدت أعراسها وجنائزها أقرب إلى الكرامة والوقار، مما لم تعرفه قبل الاصلاح. وإنه لمن الواضح أن الشعب الذي بدأ يعود إلى وقاره، ويستمسك بأسباب كرامته، ويميل إلى التناسب والجمال في مظهره العام قد أعاد سيره في موكب التاريخ.
وكنت تشاهد حركات، الهدف منها إزالة كل منكر لا تقبله العقيدة.
ولا يقره الذوق العام. ومن ذلك حركة محاربة الخمور وبيعها، حتى لم يجد باعة تلك السموم حيلة يفرون بها من هجوم الحركة الاصلاحية، إلا أن يلجؤوا إلى الحكومة حوالي عام ١٩٢٧، محتجين بأن إيرادهم تناقص، وأن تجارتهم بارت. وبدأت فعلاً المساجد تمتلئ برواد الخمارات. كما أن الحلقات الدراسية الليلية قد عمرت بأولئك الذين انصرفوا عن حلقات الدراويش.
ولعل هذا التغيير المطرد، والنسق الجديد من الحياة قد أقلق كثيرا أولئك الذين كانت مواردهم وإمكانياتهم مستمدة من سباتنا.
وبدأت المعجزة تشق طريقها بقوة وعزم، إلى أن جاءت سنة ١٩٣٦، فإذا بها تضل طريقها، حتى تغلقت عليها السبل. ثم اختارت طريقا ظنت أنه موصلها إلى هدفها المنشود، ولم تدر أنها تتجه إلى الجهة التي انطلقت منها.
وهكذا عادت أدراجها، ميممة وجهها شطر السراب السياسي، حيث تتوارى من ورائها بوارق النهضة والتقدم.
لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب، بل فيما يسودنا من عادات. وما يراودنا من أفكار. وفي تصوراتنا الاجتماعية، بما فيها من قيم الجمال والأخلاق. وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم.
وبدلاً من أن تكون البلاد ورشة للعمل المثمر والقيام بالواجبات الباعثة إلى الحياة. فإنها أصبحت منذ سنة ١٩٣٦ سوقا للانتخابات. وصارت كل منضدة في المقاهي، منبرا تلقى منه الخطب الانتخابية. فلكم شربنا في تلك الأيام