أن يكون قد ألغي بواسطة التعذيب. كما أنها لا تمثل صوت العقل أيضا فالألم لا يتعقل الأشياء.
إنها صيحة الروح التي تحررت من إسار الغرائز بعدما تمت سيطرة العقيدة عليها نهائيا في ذاتية "بلال بن رباح"؟
كذلك كان المجتمع الاسلامي يحكمه هذا التغير نفسه. إذ كان شأنه شأن "بلال" لا يتحدث بلغة غريزة اللحم والدم من ناحية ومن ناحية أخرى فإن صوت العقل كان لا يزال صامتا في هذا المجتمع الوليد. فكل لغة هذا العمر قد كانت روحية المنطق إذ هي بنت الروح أولاً وقبل كل شيء.
ذلكم هو الطور الأول من أطوار حضارة معينة. الطور الذي تروّض فيه الغرائز وتسلك في نظام خاص تكبح فيه الجماح وتتقيد عن الانطلاق.
إنها الروح في صوت بلال هي التي تتكلم وتتحدى بلغتها الدم واللحم.
كما أن ذلك الصحابي كأنه يتحدى بسبابته المرفوعة الطبيعة البشرية ويرفع بها، في لحظة معينة، مصير الدين الجديد. كما أنها هي نفسها تتحدث بصوت تلك "المرأة الزانية" التي أقبلت إلى "الرسول" لتعلن عن خطيئتها وتطلب إقامة حد الزنى عليها. فالوقائع هذه جميعها تخرج عن معايير الطبيعة. وتدل على أن الغريزة قد كبتت. غير أنها ظلت محتفظة بنزوعها إلى التحرر. وهنا ينشب الصراع المحتدم بين هذا النزوع وسيطرة الروح.
وفي الوقت نفسه يواصل المجتمع الذي أبرزته الفكرة الدينية إلى النور تطوره. وتكتمل شبكة روابطه الداخلية، بقدر امتداد إِشعاع هذه الفكرة في العالم، فتنشأ المشاكل المحسوسة لهذا المجتمع الوليد نتيجة توسعه، كما تتولد ضرورات جديدة نتيحة اكتماله. وحتى تستطيع هذه الحضارة تلبية هذه المقاييس المستجدة تسلك منعطفا جديدا، فإما أن يتطابق مع "النهضة" كما نراها بالنسبة إلى الدورة الأوروبية. وإما أن يتطابق مع استيلاء الأمويين على الحكم