هذا الإمام عُرف بعلمه وعنايته بالقرآن والحديث، فكان يلقن الناس القرآن بعد أن يصلي الصبح يجلس حتى تنتشر الشمس يلقن الناس القرآن الكبار والصغار، وكان له صبر وجلد، على هذا لا يوجد له نظير في عصره ولا ممن جاء بعده، ثم بعد ذلكم إذا انتشرت الشمس جدد الوضوء فأخذ يصلي إلى أن يقرب وقت النهي، بالغوا في ذلك حتى قالوا: إنه كان يصلي في هذا الوقت ثلاثمائة ركعة، على كل حال لو حسبناها بالدقائق، الركعة المجزئة يمكن أن تؤدى بدقيقة فمن ارتفاع الشمس إلى الزوال يمكن خمس ساعات ثلاثمائة دقيقة، ما هو ببعيد يني، لكن يستغرب الناس مثل هذه الأعداد، وقد أثر عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، يعني في اليوم والليلة ما هي بغريبة، لكن بين ارتفاع الشمس إلى الزوال فيها غرابة ثلاثمائة ركعة، لكن أعطوا صبر وجلد، ويسرت لهم العبادة، وعرفنا عن كثير من أهل العلم أنهم يقرؤون القرآن كل يوم، يختمون في يوم، والقرآن ميسر، والعبادات تحتاج إلى جهاد في أول الأمر ثم تصير بالنسبة للإنسان مثل النفس ما تشق عليه ولا تكلفه شيء، لكن هذه بعد مرحلة المجاهدة، والله المستعان.
على كل حال سواء ثبت عنه أو لم يثبت العدد، فالأصل موجود، هو يستغل هذا الوقت من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس في تلقين الناس القرآن، ثم بعد ذلك يصلي حتى يقرب وقت النهي، هذا معروف عنه -رحمه الله تعالى-.
وكان مع ذلكم قائماً بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام، بل يصفه بعضهم بالتشديد في هذا الباب، فكان -رحمه الله- يغير بيده، وهذا هو المتعين مع الإمكان؛ لأن التغيير باللسان مرتبة مع عدم الاستطاعة، عدم استطاعة التغيير باليد، لكن أهل العلم يشترطون في ذلك أن لا يترتب على التغيير محظور أعظم منه، لا يترتب عليه مفسدة أعظم، وإلا فالأصل التغيير باليد، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) متى يغير باللسان؟ إذا لم يستطع، فهو مشروط بعدم الاستطاعة.