فانصرف. فقال لها: قولي له: إن معي كتاب والي مكة في مُهمًّ. فدخلت، ثم خرجت وفي يدها كرسي، فوضعته، فإذا بمالكٍ رجل شيخ طُوَالٌ، قد خرج وعليه المهابة وهو مُتَطَيْلِسٌ. فدفع إليه الوالي الكتاب، فبلغ إلى قوله: إنّ هذا رجل شريفٌ مِنْ أمْرِه وحاله، فتحدِّثه وتفعل وتصنع. فرمى بالكتاب من يده، وقال: يا سبحان الله، قد صار عِلْمُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يؤخذ بالوسائل! قال: فرأيت الوالي - وهو يَهَابُه أن يُكلمَه - فَتَقَدَّمت إليه، فقلت: أصلحك الله، إني رجل مُطَّلِبيّ، من حالي وقِصَّتي. فلما أن سَمِعَ كلامي نظر إليَّ ساعة، وكانت لمالك فِراسة، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: محمد. قال: يا محمد، اتَّقِ الله، واجْتَنِبِ المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن من الشَّان. فقلت: نعم وكرامة. فقال: إذَا كان غدٌ تَجِيء ويجيءُ من يقرأ لك الموطأ. فقلت: إني أقرأ ظاهراً. قال: فغدوت إليه وابتدأت، فَكُلَّمَا تهيبت مالكا وأردتُ أن أقطع، أعْجَبَه حُسْنُ قراءتي وإعْرَابِي، يقول: يا فَتى زِدْ. حتى قرأته عليه في أيام يسيرة. ثم أقمت بالمدينة إلى أن تَوفَى مالِكُ بن أنس، رضي الله عنه (١). ثم ذكر خُروجَه إلى اليمن.
وقرأت في كتاب أبي الحسن: محمد بن الحُسَين العاصمي بسَمَاعِهِ من أبي إسحاق: إبراهيم بن مُحَمّد بن المولد الرَّقِّي، يحكى عن زكريا بن يَحْيى
(١) راجع القصة في المناقب للفخر ص ٩ - ١٠، وهي مختصرة في الحلية ٩/ ٦٩ وتوالي التأسيس ص ٥١، وآداب الشافعي وهامشه ص ٢٧ - ٢٨.