للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما صنعا ذلك - والله أعلم - لعلمهما باشتهار الحديث برواية ثقة أو ثقات سوى من كتبا عنه بسبب من الأسباب: إما لأنه لم يكن من شرطهما، أو كان حيًّا في وقت روايتهما عنه؛ فلم يسمياه أو لم ينسباه، أو لغير ذلك من المعاني. واعتمدا على اشتهار الحديث برواية غير مَنْ كَتَبا عنه. كذلك الشافعي، رحمه الله، هكذا صنع. والله أعلم.

ولهذا المعنى توسّع من توسّع في السماع عن بعض محدِّثي زماننا هذا، الذين لا يحفظون حديثهم، ولا يحسنون قراءته من كتبهم، ولا يعرفون ما يقرأ عليهم، بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم. وهو أنّ الأحاديث التي قد صحَّت أو وقعت (١) بين الصحة والسقم - وقد دُوِّنت وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة أهل اعلم بالحديث، ولا يجوز أن يذهب شيء منها على جميعهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم؛ لضمان صاحب الشريعة حِفْظَها، فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يقبل منه، ومن جاء بحديث هو معروف عندهم، فالذي يرويه اليوم لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مُسَلْسَلاً بحدّثنا أو بأخبرنا. وتبقى هذه الكرامة التي اختصت (٢) بها هذه الأمة إلى يوم القيامة شَرَفاً لنبينا المصطفى، صلى الله عليه وسلم، كثيراً.

* * *

والذي ينبغي ذكره ها هنا: أن الحديث في الابتداء كانوا يأخذونه من لفظ المحدِّث حفظاً، ثم كتبه بعضهم احتياطاً، ثم قام بجمعه، ومعرفة رواته، والتمييز بين صحيحه وسقيمه - جماعةٌ لم يخفّ عليهم إتقان المتقنين من رواته


(١) في ح: «وقفت».
(٢) في ا: «خصت».
(م ٢١ - مناقب جـ ٢)