للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السليك بأن رأسه قد شاب مما تقاسيه خالاته من ضيم وهون ومذلة يعجز لفقره عن إنقاذهن منها١، وهو يذكر هذا في مجال دفاعه عن تصعلكه وفخره به، مما يشعر بأن هذه "العصبية النسائية" كانت من الأسباب الفعالة في هذا التصعلك. وتتحدث أم تأبط شرا عن ابنها حديث المعجبة به، فقد حكى عنها أنها قالت فيه: "إنه والله شيطان، ما رأيته قط مستثقلا ولا ضحكا، ولا هم بشيء مذ كان صبيا إلا فعله"٢، وتتحدث عنه مرة أخرى حديثا تبين فيه كيف حملت به، وكيف وضعته، ومدى اهتمامها بتنشئته منذ طفولته الأولى تنشئة قوية٣.

ومن هنا أيضا كثر رثاء قريبات هؤلاء الأغربة لهم، وحديثهن عن حزنهن عليهم، فقد رثت السليكة ابنها السليك بأبيات رائعة تفيض حزنا وتفجعا، تصور فيها مصابها الشديد فيه، وحسرتها البالغة عليه٤، ورثت أم تأبط شرا ابنها بقطعتين مسجعتين لعلهما تمثلان مرحلة من مراحل أولية الشعر العربي، لم تنس فيهما أن تصور بطولته وشجاعته٥، وكذلك فعلت أخته ريطة


١ المبرد: الكامل/ ٢٩٩، والبغدادي: خزانة الأدب ٣/ ٢٨٦، ويقول المبرد "وإنما توجع لخالاته لأنهن كن إماء" "٢/ ٢٩٩"، وانظر الأبيات كلها وشرحها في الكامل ٢/ ٢٩٨ وما بعدها.
٢ التبريزي: شرح حماسة أبي تمام ١/ ٤٣.
٣ المبرد: الكامل/ ٧٩، والجاحظ: الحيوان ١/ ٢٨٦، ولسان العرب، وتاج العروس، مادة "وضع"، مع بعض الخلاف اللفظي، وزيادات في العبارات في بعض المصادر، لعلها من صنع الرواة، رغبة منهم في إطالة هذه السجعات، ولعل أصح هذه الروايات رواية الكامل ورواية الحيوان.
٤ التبريزي: شرح حماسة أبي تمام ٢/ ١٩١، ١٩٢، وأسامة بن منقذ: لباب الآداب/ ١٨٣، ويقال إنها لأم تأبط شرا "المعري: شرح حماسة أبي تمام - مخطوطة بدار الكتب - ورقة رقم ٥، وانظر أيضا شرح التبريزي ٤/ ١٨٦ و١٨٧"، ولكن التبريزي يرجح أنها لأم السليك "ص١٩٢"، وتُروى في العقد الفريد "٣/ ٢٦١، ٤٢٧" الأعرابي مجهول في قصة واحدة في الموضعين، ولكن يلاحظ أن القصة لا تتفق مع الأبيات، وبخاصة البيت الثالث "ص٢٦١" فليس هناك محل لهذا التساؤل في البيت ما دامت القصة تذكر أن أفعى لدغت ابن هذا الأعرابي فمات.
٥ لسان العرب، المواد "قرب - هوف - هيف".

<<  <   >  >>