للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لبعضهم فيها شهرة عظيمة وصيت بعيد"١، وكذلك من الطبيعي أن تقوم بمنطقة مكة تلك المجموعة من الأسواق التي ذكرناها نظرا لأنها كانت أكبر مراكز التجارة في الجزيرة العربية، ونظرا لكثرة وفود العرب التي كانت تهوي إليها في مواسم الحج، وقد كان النعمان يبعث كل عام إلى سوق عكاظ بلطيمة "تباع"، وتُشترى له بثمنها الأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب والوشي والمسير والعدني"٢.

ونستطيع أن نقرر، ونحن مطمئنون، أنه على طول الطرق التجارية كانت تقوم الأسواق، وأن هذه الأسوق كانت تكبر حول مراكز التجارة الأساسية.

ونستطيع أن نقسم هذه الأسواق إلى مجموعتين: فهناك أسواق تقع في بلاد فيها هيئة حاكمة ذات قوة تنفيذية، ترد الظالم عن ظلمه، وتأخذ لصاحب الحق حقه من غاصبه، أو -كما كان يسميها القدماء- "أرض مملكة وأمر محكم"، وهذه لم يكن التجار فيها يحتاجون إلى خفارة؛ لأن القوة التنفيذية فيها كانت تقوم بهذه المهمة، نظير عشور يحصلونها من التجار، كسوق عدن٣، وهناك أسواق تقع في مناطق بدوية لا حكم فيها إلا للقوة الفوضوية، أو -كما كان يقول القدماء- "من عز فيها بز"، وهذه كان التجار يحتاجون فيها إلى خفارة، كسوق الرابية بحضرموت٤. وكان سادة بعض هذه المناطق ينصبون أنفسهم حكاما على أسواقها، "ويسيرون فيها بسيرة الملوك"، فيأخذون من التجار فيها العشور، كما كان يفعل بعض بني تميم في سوق المشقر بهجر، وكما كان يفعل الجلندي وآل الجلندي في سوق صحار وفي سوق دَبى٥.


١ إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب/ ١٨.
٢ الأغاني ١٩/ ٧٥.
٣ ابن حبيب: المحبر/ ٢٦٦، وتاريخ اليعقوبي ١/ ٣١٤.
٤ المصدان السابقان: ابن حبيب/ ٢٦٧، واليعقوبي ١/ ٣١٤.
٥ المصدران السابقان: ابن حبيب/ ٢٦٥، ٢٦٦، واليعقوبي ١/ ٣١٤.

<<  <   >  >>