للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك فقد كان التجار في هذه الأسواق عادة آمنين على دمائهم وأموالهم١، فالبرغم من أنه كان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه الأسواق، وكانوا يسمون المحلين، كان فهم من يُنكر ذلك وينصب نفسه لنصرة المظلوم، والمنع من سفك الدماء وارتكاب المنكر، وكانوا يسمون الذادة المحرمين٢، وكان هؤلاء الذادة المحرمون "يلبسون السلاح لدفعهم عن الناس، وكان العرب جميعا بين هؤلاء تضع أسلحتهم في الأشهر الحرم"٣، كما أن بعض هذه الأسواق كانت تقوم بحمايتها القبائل التي كانت تقام في أراضيها، ويسمون بذلك جيرانها، فقد كان كلب وجديلة طيئ جيرانا لسوق دومة الجندل٤، وكانت عبد القيس وتميم جيرانا لسوق المشقر٥، وكان حلف الفضول يجير في أسواق مكة٦، وقد وصلت هذه الإجارة في بعض الأحيان إلى درجة كبيرة من القوة تستطيع بها أن ترد على المظلوم حقه، بعد أن تنتزعه من غاصبه، كما كان يفعل الفضول في مكة٧.

والغاية التي نريد أن نصل إليها من هذا هي أن الفرصة التي كان من المنتظر أن تكون سانحة أمام صعاليك العرب في هذه الأسواق للغزو والإغارة للسلب والنهب قد أفلتت من أيديهم، نظرا لتلك الحماية التي كان الذادة المحرمون يأخذون بها أنفسهم، وهذه الإجارة التي كانت بعض القبائل أو الأحلاف تقوم بها، ونظرا -من ناحية أخرى- إلى ازدحام هذه الأسواق بالناس من مختلف الطبقات ازدحاما يفسد على الصعاليك "خططهم الحربية" التي تعتمد قبل كل شيء على التربص الحذر، ثم المفاجأة الخاطفة، فالفرار


١ تاريخ اليعقوبي ١/ ٣١٣.
٢ المصدر السابق/ ٣١٤.
٣ المصدر نفسه/ ٣١٥.
٤ ابن حبيب: المحبر/ ٢٦٣.
٥ المصدر السابق/ ٢٦٥.
٦ السهيلي: الروض الأنف ١/ ٩٠، ٩١.
٧ المصدر السابق، الموضع نفسه.

<<  <   >  >>