للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السريع من أجل النجاة والسلامة.

ولكنهم -مع ذلك- لم يدعوا هذه الفرصة تفلت من أيديهم إفلاتا تاما، فما لا يدرك كله لا يترك كله، فقد رأوا أن هذه الأسواق مواسم يلتقي فيها ضروب من الناس من شتى القبائل، مما يتيح لهم فرصة طيبة للاتصال بهم، وانتقاء ضحاياهم من بينهم، ليضعوا على أساس ذلك خططهم المقبلة التي يعتزمون تنفيذها بعد ذلك، ففي أخبار السليك أنه خرج في الشهر الحرام حتى أتى عكاظ، فلما اجتمع الناس ألقى ثيابه ثم خرج متفضلا مترجلا، فجعل يطوف بين الناس ويقول: من يصف لي منازل قومه وأصف له منازل قومي؟ فلقيه قيس بن مكشوح المرادي، فقال: أنا أصف لك منازل قومي، وصف لي منازل قومك فتوافقا وتعاهدا ألا يتكاذبا، ووصف كل منهما للآخر منازل قومه، فانطلق قيس إلى قومه فأخبرهم الخبر، فقال أبوه المكشوح: ثكلتك أمك! هل تدري من لقيت؟ قال: لقيت رجلا فضلا كأنما خرج من أهله، فقال: هو والله سليك بن سعد، ثم لم يلبث السليك أن وضع خطته موضع التنفيذ، فأغار في أصحاب له على مراد وخثعم، وأسر قيس بن المكشوح، وأصاب من نعمهم، وسبى سبية من خثعم، ثم انصرف مسرعا١، ويبدو من معرفة المكشوح للسليك بمجرد حديث قيس عنه أن هذا اللون من الاحتيال من "السوابق" التي عرفتها "صحيفة" السليك، والتي يعرفها عنه أصحاب الخبرة، كما يعرف رجال الشرطة في العصر الحديث أرباب السوابق من المحتالين بمجرد ذكر حوادث احتيالهم.

وإذا كانت الفرصة قد أفلتت من صعاليك العرب في داخل هذه الأسواق -ما عدا أمثال هذا الاحتيال- فإن في الطرق الموصلة إليها، وفي المناطق المحيطة بها، متسعا لحركاتهم، فوقفوا يترصدون التجار في مقدمهم إليها، وفي منصرفهم عنها، يقطعون عليهم الطرق، وينهبون ما تصل إليه أيديهم من تجاراتهم.


١ الأغاني ١٨/ ١٣٥، ١٣٦.

<<  <   >  >>