للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

برغم صغرها مشهورة بلصوصها١، وكان هؤلاء الخفراء يقومون بهذا العمل نظير جُعْل يسمى "الخفارة"٢، وسواء أكان هدايا أم نقدا٣ فقد كان في العادة جعلا كبيرا يتكافأ مع خطر العمل، وكثرة تبعاته، وكان هؤلاء الخفراء "يعيدون في أكثر الأحيان هذا الجعل إذا ما عرض عارض يحول دون أن تؤتي خفارتهم ثمرتها"٤، ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء الخفراء من القبائل التي تمر بها القوافل لأن في هذا ضمانا من تعرض هذه القبائل لهم، أو قطعها الطريق عليهم، وإرضاء لكبرياء البدوي التي تجعله دائما يتوقع "أن يُطلب ليتقدم الطريق أمام أي قافلة تخترق إقليمه الذي يعده ملكا خاصا لقبيلته"٥، كما أن أفراد هذه القبائل أعرف -بطبيعة الحال- بمواطن الخطر في مناطقهم، وأدرى بسبل النجاة منها، ويحدثنا الرواة أن كل تاجر يخرج من اليمن والحجاز في طريقه إلى سوق دومة الجندل كان يتخفر بقريش ما دام في بلاد مضر؛ لأن مضر لم تكن تعرض لتجار مضر، ولا يهيجهم حليف لمضري، فإذا أخذ طريق العراق تخفر ببني عمرو بن مرثد من بني قيس بن ثعلبة فتجيز ذلك له ربيعة كلها، أما إذا مضى إلى مهرة، وهي ليست بأرض مملكة، فإنه كان يتخفر فيها ببني محارب من مهرة، فإذا مضى إلى حضرموت حيث تقام سوق الرابية التي "لم يكن يصل إليها أحد إلا بخفارة؛ لأنها لم تكن أرض مملكة، وكان من عز فيها بز صاحبه" فإن قريشا كانت تتخفر ببني آكل المرار، وسائر الناس يتخفرون بآل مسروق بن وائل من كندة٦، ومن هنا كان أصحاب القوافل يلجئون في أكثر الأحيان إلى رؤساء القبائل، أو إلى سيد


١ krenkow; ency. of islam, art. "al-shanfara".
٢ ency. of islam; art, arabiz, p.٣٢٥.
٣ o'leary; arabia before muhammad, p. ١٧٩.
٤ ibid; pp. ١٧٩, ١٨٦.
٥ ibid; p. ١٨٥.
٦ ابن حبيب: المحبر/ ٢٦٤-٢٦٧.

<<  <   >  >>