للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيهم مطاع، ليجبروا لهم قوافلهم، كما كان يفعل النعمان مع لطائمه التي كان يبعث بها كل عام إلى سوق عكاظ، فقد كان يجيرها له سيد مضر١، ومن هنا أطلقوا على هذه الخفارة أيضا الجوار٢، وكان هذا الجوار "عملا مربحا يسعى وراءه سادة الصحراء سعيا شديدا"٣، فقد كان أصحاب القوافل يشركونهم في عملياتهم التجارية، أو يقاسمونهم الأرباح، أو يفتحون لهم حسابات جارية في نوافذ مصارفهم، على حد تعبير لامانس٤. ولم يكن يعدل سعي هؤلاء السادة وراء هذا الجوار إلا حرص أصحاب القوافل عليه، حتى لقد كانوا يستميلونهم أحيانا بالمصاهرة٥، ولعل أشهر قصص هذا الجوار قصة "إيلاف قريش" التي أشار إليها القرآن الكريم٦، ويحدثنا العتبي ومحمد بن سلام عن قصة هذا الإيلاف حديثا طويلا يرويه لنا القالي في نوادره٧، وكذلك يحدثنا الجاحظ في بعض رسائله٨ عن هذا الإيلاف حديثين آخرين، وكيفما كان هذا الإيلاف فيبدو لي أن المسألة -في أبسط صورها- ترجع إلى أن القرشيين قاموا بمفاوضات مع جيرانهم الذين تمر قوافلهم بديارهم، من أجل تأمين سلامة هذه القوافل، والإذن لها بالمرور، وحصلوا على ترخيص من ملوك البلاد التي كانت لهم "متاجر" أو "وجوها" -كما


١ الأغاني ١٩/ ٧٤.
٢ الأغاني ١٦/ ٩٩ سطر ١٢.
٣ o'leary; arabia before muhammad, p. ١٨٥.
٤ la mecque a la veille de l'hegire, p. ١٧٨ = ٢٧٤.
٥ بندلي جوزي: من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام/ ١٧.
٦ سورة قريش ٢٧٤، والإيلاف: العهد والذمام "لسان العرب، مادة ألف" وهو "عهود بينهم وبين الملوك" "الألوسي: روح المعاني ٣٠/ ٢٣٨" ويفسره الأزهري بأنه "شبه الإجارة بالخفارة" "المصدر السابق/ ٢٤٠"، وقد أجمع الرواة على أن أول من أخذ الإيلاف لقريش هاشم بن عبد مناف "رسالة فضل هاشم على عبد شمس من رسائل الجاحظ/ ٧٠"، وفي حديث ابن عباس "وقد علمت قريش أن أول من أخذ لها الإيلاف لهاشم" "لسان العرب مادة ألف".
٧ ص١٩٩، ٢٠٠.
٨ رسالة فضل هاشم على عبد شمس/ ٧٠، ٧١.

<<  <   >  >>