للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا يسمونها-١ ليدخلوا بتجاراتهم أسواق هذه البلاد، ويذكر الجاحظ في تفسير قوله تعالى: {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف} في قصة هذا الإيلاف أنه "خوف من كان هؤلاء الإخوة "يعني هاشما وأخوته" يمرون به من القبائل والأعداء وهم مغتربون ومعهم الأموال"٢.

وإلى جانب هذه الخفارة كان بدو القبائل يقومون أحيانا بدور الرسل أو "البريد" بين القوافل في أثناء الطريق وبين المراكز التجارية التي خرجت منها أو التي تقصدها، فإذا جد ما يستدعي اتصال القافلة بأحد هذه المراكز استأجر أصحابها بعض البدو من القبيلة التي يمرون بها، وبعثوا به إلى حيث يريدون. ويحدثنا رواة السيرة أن أبا سفيان عندما تعرضت قافلة قريش لخطر مهاجمة المسلمين لها عند بدر "استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة"٣، وكان هذا نظير عشرين مثقالا استأجره بها٤.

ولكن إلى جانب هذه العناصر الكادحة من بدو القبائل، وجدت عناصر متمردة رأوا في هذه القبائل الضخمة التي تنتقل بين أطراف الجزيرة محملة بثرواتها وكنوزها، مخترقة البادية، أرض الجوع والجدب والضيق، صورة من صور اختلال التوازن الاقتصادي، ومثلا من أمثلة سوء توزيع الثروة، فرفضوا أن يشاركوا في هذه الأوضاع الاقتصادية المختلة، ورأوا أن يقفوا منها موقفا معاديا يعتمد على القوة في كسب الرزق، ففي مرور هذه القوافل في مناطق الصحراء المقفرة الموحشة فرصة صالحة للغارة والغزو، وصيد موات للسلب والنهب، ورزق ساقه الله إليهم يجدر بهم أن يعتمدوا على قوتهم في اغتصابه، فاجتمعوا في عصابات، وانضم إليهم خلعاء القبائل،


١ انظر الأغاني ٩/ ٥٦، والمحبر/ ١٦٢، ١٦٣.
٢ رسالة فضل هاشم على عبد شمس/ ٧١.
٣ تاريخ الطبري ٢/ ٢٧٠.
٤ الواقدي: كتاب المغازي/ ٢٢.

<<  <   >  >>