للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصعاليك كانوا مثله ومثل سائر الشعراء الجاهليين من حيث ضياع أكثر شعرهم.

وإلى جانب هذه القلة في المادة نلاحظ أيضا كثرة الاضطراب في رواية نصوصها، وهي ظاهرة تُلاحظ على كل نصوص الشعر الجاهلي، ولكنها تُلاحظ بصورة قوية في نصوص شعر الصعاليك. ومن اليسير أن نفهم هذا ما دمنا قد عرفنا أن الشعراء الصعاليك كانوا يمثلون طائفة متمردة على قبائلها، متشردة في مجاهل الصحراء، وما دام هذا الشعر قد وصل إلينا مفرقا في مصادر الأدب العربي المختلفة، ولم يصل إلينا إلا قليل منه في دواوين مستقلة.

وكما يُلاحظ هذا الاضطراب في ألفاظ هذا الشعر، يُلاحظ في ترتيب أبياته، ويُلاحظ أيضا في عدد هذه الأبيات، وهذا ما سنحاول الإشارة إليه فما يمر بنا منه في هذا البحث.

فإذا ما تركنا هاتين الملاحظتين الشكليتين، فإننا نصل إلى الملاحظة الثالثة، وهي الشك الذي يحيط ببعض نصوص هذا الشعر، وهي ملاحظة جوهرية؛ لأنها تتصل بالمادة التي بين أيدينا: أهي حقا لأصحابها أم هي مزيفة عليهم؟ وشعر الصعاليك في هذه المسألة ليس بدعا من سائر الشعر الجاهلي الذي اتهم بالتزييف والانتحال اتهاما شديدا، والذي تعرض لحملة شديدة كانت على وشك أن تعصف بأركانه. ولسنا نبرئ الشعر الجاهلي من هذا الاتهام، ولكنا أيضا لا نمضي مع هذا الاتهام إلى ذلك الحد الذي يجعل من رواة الشعر الجاهلي "عصبة من المزيفين" لا هم لهم إلا صناعة نماذج من الشعر ثم حملها على الشعراء الجاهليين، والذي يجعل درس الشعر الجاهلي ضربا من الأعمال "البوليسية" التي لا هم لها إلا البحث عن هؤلاء المزيفين ومصادرة "عملتهم" الزائفة.

والأمر الذي لا أكاد أشك فيه هو أن الشعر الجاهلي قد لقي من عناية القدماء نصيبا موفورا، وأن نقاد هذا الشعر لم يشكوا في شيء منه إلا سجلوا هذا الشك، وحسبنا هذا الشك دليلا على عناية القدماء بأمر هذا الشعر. أما

<<  <   >  >>