للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما كان التزييف فيه بارعا إلى درجة خفيت على القدماء أنفسهم من النقاد والرواة، فما أظن أننا نبيح لأنفسنا الادعاء بأننا أدق حسا بالشعر الجاهلي من هؤلاء القدماء الذين كانوا أقرب منا عهدا بعصر هذا الشعر، أما إذا كان الراوية أو الناقد مجرحا عرفت عنه الغفلة أو الكذب، أو كان المتن نفسه يحمل في أثنائه دليلا على الكذب أو التزييف، فهنا تكون مواضع الشك والاتهام. وليست هذه الخطة بدعا في الدرس، وإنما هي خطة سار عليها علماء الحديث في دراستهم لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتحقيقها.

ومجموعة شعر الصعاليك التي دارت حولها أحاديث الشك نوعان: فمجموعة كان الشك فيها "داخليا" بمعنى أن الرواة قد اتفقوا على أنها من شعر الصعاليك، ولكنهم اختلفوا في نسبتها إلى أيهم، ومن الأمثلة على هذه المجموعة تلك البائية التي تروى مرة لأبي خراش الهذلي١، ومرة للأعلم الهذلي٢، ومرة لتأبط شرا٣ وهم جميعا من صعاليك منطقة واحدة هي منطقة السراة.

ومن الأمثلة على هذه المجموعة أيضا تلك الدالية التي يرويها الأصمعي وأبو عمرو الشيباني والسكري لصخر الغي الهديل٤، والتي يذكر أبو عبيدة "أنه رأى جماعة من شعراء هذيل يختلفون في هذه القصدية فيرويها بعضهم لصخر الغي، ويرويها بعضهم لعمرو ذي الكلب، وأن الهيثم بن عدي حدثه عن حماد الرواية أنها لعمرو ذي الكلب"٥، وكلا الشاعرين من صعاليك هذيل.

والخطب في هذه المجموعة هين، فإن المسألة لم تخرج عن دائرة الصعاليك. وهذا الاختلاف -وإن يكن له تأثير في الدراسة الفنية للشاعر الواحد-


١ ديوان الهذليين، القسم الثاني/ ١٦٨، ١٦٩.
٢ الآمدي: المؤتلف والمختلف/ ٩٥.
٣ ديوان الهذليين، القسم الثاني/ ١٦٨، ١٦٩، وابن دريد: جمهرة اللغة ١/ ٢٤٠.
٤ الأغاني ٢٠/ ١٩، وشرح أشعار الهذليين ١/ ١٢، ويرويها له أيضا ابن قتيبة في الشعر والشعراء/ ٤٢٠.
٥ الأغاني ٢٠/ ١٩.

<<  <   >  >>