للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا خرج رب البيت بإبله ليعشيها تبعه السليك، حتى إذا ما أخذت الشيخ سنة من النوم وقد غطى وجهه بثوبه من البرد حانت الفرصة للسليك، فاستله من ردائه فضربه فأطار رأسه، وصاح بالإبل فطردها إلى حيث ينتظره صاحباه، فطرداها معه١، حتى إذا ما اطمأنوا فرغ السليك لفنه مسجلا هذه المغامرة في هذه المقطوعة الرائعة:

وعاشية راحت بطانا ذعرتها

... بسوط قتيل وسطها يتسيف٢

كأن عليه لون برد محبر ... إذا ما أتاه صارم يتلهف٣

فبات له أهل خلاء فناؤهم ... ومرت بهم طير فلم يتعيفوا٤

وباتوا يظنون الظنون، وصحبتي ... إذا ما علوا نشزا أهلوا وأوجفوا٥

وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف٦

وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف٧

فالشاعر الصعلوك هنا يبدأ مقطوعته من حيث انتهت مهمته الخطرة، فهو لا يذكر شيئا عن خروجه للغارة ولا عن تربصه لها، وإنما يبدأ بذكر طرده الإبل بعد أن قتل صاحبها، كأنما هو فرح بتلك الغنيمة التي أنقذته من الجوع والإشراف على الهلاك، فهو لا يرى إلا تلك الإبل التي نهبها، ثم ينتقل إلى موازنة طريفة بين طرفي الصراع: بين أصحابه الصعاليك وأهل ذلك الشيخ القتيل، أما هؤلاء فقد خلا فناؤهم من إبلهم، ولكنهم مطمئنون حتى إنهم لم يتعيفوا الطير التي مرت بهم؛ لأن خبر الغارة لما يبلغهم بعد، وأما أولئك


١ الأغاني ١٨/ ١٣٤، ١٣٥، والميداني: مجمع الأمثال ١/ ٣٩٩.
٢ هذه رواية الأغاني، وفي مجمع الأمثال "وعاشية روح بطان"، و"بصوت قتيل". والعاشية: الإبل ترعى ليلا. ويتسيف: يضرف بالسيف.
٣ هذه رواية الأغاني، وفي مجمع الأمثال "صارخ" مكان "صارم"، وفيه أيضا "متلهف". ويريد بقوله "لون برد محبر" طرائق الدم على القتيل.
٤ هذه رواية الأغاني، وفي مجمع الأمثال "لها" مكان "له".
٥ كذا في المصدرين. النشز: المكان المرتفع. أهل: صاح ورفع صوته. أوجفوا: حملوا الإبل على الوجيف وهو ضرب من السير.
٦ كذا في المصدرين.
٧ هذه رواية الأغاني، وفي مجمع الأمثال "يغشاني". أسدف أي أظلم بصره من شدة الجوع.

<<  <   >  >>