للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما انتهى الشاعر من هذا "الدرس النظري" انتقل إلى "التطبيق العملي"، يبدأ به منذ أن تحرجت أموره حين حاصرته لحيان١، وينقل لنا ظرفا من حواره معهم، ذلك الحوار الذي أراد أن يخدعهم به حتى يفرغ من إعداد وسيلته للنجاة:

أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي، ويومي ضيق الحجر معور٢

هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم، والقتل بالحر أجدر

وأخرى أُصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن فعلت ومصدر

ولا يكاد الشاعر يفرغ من تهيئة وسيلة نجاته حتى يسارع إلى تنفيذها، فإذا هو يفرش لها صدره في براعة تساعده عليها ضخامة صدره ودقة متنه، حتى نجا من الموت الذي وقف ينظر إليه خزيان، ثم إذا هو في قبيلته وقد عاد إليهم بعد أن كاد يهلك:

فرشت لها صدري فزل عن الصفا ... به جؤجؤ عبل ومتن مخصر٣

فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا ... به كدحة، والموت خزيان ينظر

فأبت إلى فهم ولم أك آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر٤

شعر المراقب:

كما تحدث الشعراء الصعاليك عن مغامراتهم، تحدثوا أيضا عن تربصهم بأعدائهم، وترصدهم لضحاياهم، وارتقابهم الفرصة الملائمة لمهاجمتهم، فوق المرتفعات العالية التي يشرفون منها على الطريق بحيث يرون الناس ولا يرونهم، والتي كانوا يسمونها "المراقب". وتكثر في شعر الصعاليك هذه الأحاديث


١ لحيان: بطن من هذيل.
٢ الوطاب: جمع وطب وهو سقاء اللبن. وصفرت: خلت. والمراد بقوله "صفرت لهم وطابي" أن نفسه أشرفت على الهلاك بسببهم. والمعور: الذي انكشفت عورته للعدو فهو مكشوف غير محصن. والمراد بقوله "ويومي ضيق الحجر معور" أنه في مركز حرج ضيق المنافذ.
٣ الصفا: الصخر. والجؤجؤ: الصدر. والعيل: الضخم.
٤ فهم: قبيلته. وقوله "وهي تصفر" المراد به أنها تلغط في أمره، وتكثر القول في شأنه، أو المراد أنها تتأسف على إفلاته منها.

<<  <   >  >>