للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان يميزها بعلامة خاصة حتى تعرف، ويحدثنا الرواة أنه كان "يصنع النبل ويجعل أفواقهم من القرون والعظام"، فكان أعداؤه إذا رماهم "يعرفون نبله بأفواقها في قتلاهم"١، وأما الهذليون فقد عرف عنهم الرمي من بين ثلاث صفات مميزة سجلها لهم القدماء٢.

وهم يصفون السهام في جميع أطوارها، منذ بريها، وتركيب الريش فيها، حتى استخدامها، في الرمي، كما يصفون نصالها وأفواقها. ويتحدث الشنفرى في بعض شعره عن سهامه وكيف يتخيرها، وكيف يركب في قداحها الريش، وكيف يتابع فيها البري حتى تصير صالحة للاستعمال، ثم يتحدث عن قيمة هذه السهام التي أعدها هدية لأعدائه الذين يبغضهم:

وردت بمأثور يمان وضالة ... تخيرتها مما أريش وأرصف

أركبه في كل أحمر غاثر ... وأنسج للولدان ما هو مقرف

وتابعت فيه البري حتى تركته ... يرن إذا أنزفته ويزفزف

بكفي منها للبغيض عراضة ... إذا بعت خلا ما له متعرف٣

ويتحدث في مقطوعة أخرى عن رمية أحد أعدائه بسهم قوي لا عوج فيه، ثم يصف أجزاء هذا السهم، فهو عود من نبع عليه ريش من ريش العقاب، وله فوق كأنه عرقوب القطاة:

ومستبسل ضافي القميص ضممته ... بأزرق لا نكس ولا متعوج


١ الأغاني ٢١/ ١٤٢ - "أفواقهم" كذا في المصدر، ومن الواضح أنه خطأ صوابه "أفواقها". وأفواق جمع فوق وهو موضع الوتر من السهم.
٢ يقول الأصمعي: "إذا فاتك الهذلي أن يكون شاعرا أو ساعيا أو راميا فلا خير فيه". "المصدر السابق / ٧٥".
٣ ديوانه في الطرائف الأدبية / ٣٨. والأغاني ٢١/ ١٤١. وديوانه المصور، لوحة رقم ٥١. مع اختلاف في الروايات، والذي هنا رواية المصدر الأولى - المأثور: السيف. الضالة: يريد هنا السهام. الغثرة: غبرة إلى خضرة. المقوف: الداني. أنزفته: كذا في نسختي الديوان، وأظنها تحريفا صوابه ما في الأغاني "أنفذته". الزفزفة: صوت القدح حين يدار على الظفر. العراضة: الهدية. الخل: الطريق في الرمل.

<<  <   >  >>