للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأغنياء ما يسدون به رمقهم، ويعدون ذلك الغنى كل الغنى، لا يفكرون إلا في أنفسهم يلتمسون لها ذلك الزاد القليل الذليل، أما التفكير في أن يكون لهم من الثراء ما يطعمون به غيرهم، ويسجلون به لأنفسهم أحاديث خالدة تتناقلها الأجيال من بعدهم، فهذا أبعد الأشياء عن محيط نفوسهم الضعيفة التي تحيا حياة خاملة متكاسلة أقصى ما فيها من عمل خدمة النساء "الأرستقراطيات" إذا احتجن إليهم.

أما الصورة التي يريدون أن يكون عليها أفراد جماعة الصعاليك فهي صورة الصعلوك المغامر القوي النفس الجسد، الذي يشرق وجهه في أوقات الشدة، والذي يهب حياته للمغامرة، ويبث الرعب في قلوب أعدائه حتى ليخشونه في وجوده وفي غيابه، فإذا استغنى فإنه جدير بهذا الغنى لأنه حصل عليه بقوته، وإذا جاءه أجله في ميدان كفاحه فليمض إلى ربه حميدا مبرأ من العار والذم١.

وهم حريصون كل الحرص على أن يفرق المجتمع بين هاتين الطائفتين، وكم يتمنون لو عرف لكل طائفة قيمتها، فاحتقر الأولى، وقدر الأخرى حق قدرها. وهذا السليك يوضح ذلك الفرق لصاحبته حتى تكون على بينة من أمرها فلا تخلط بينه وبين صعاليك الطائفة الأولى الخامدة الضعيفة، لعلها إن أدركت هذا لفرق كفت عن هجرة ونال إعجابها:

ألا عتبت علي فصارمتني ... وأعجبها ذو اللمم الطوال

فإني يابنة الأقوام أربى ... على فضل الوضيء من الرجال

فلا تصلي بصعلوك نئوم ... إذا أمسى يعد من العيال

ولكن كل صعلوك ضروب ... بنصل السيف هامات الرجال٢


١ انظر الحديث عن هاتين الصورتين: صورتي الصعلوك الخامل والصعلوك العامل في رائية عروة في ديوانه/ ٧٣-٨٢ والأصعميات/ ٢٩، ٣٠ وجمهرة أشعار العرب/ ١١٥، وحماسة أبي تمام ١/ ٢١٩، ٢٢٠. وانظر ص٣٢٩ من هذا البحث.
٢ المبرد: الكامل / ٢٩٨.

<<  <   >  >>