للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهيجها وانشام نقعا كأنه ... إذا لفها ثم استمر سحيل١

ويرسم أيضا صورة طبيعية صادقة للون من ألوان الصراع الذي يدور في تلك الصحراء المقفرة بين كائناتها الحية، والصراع هنا بين صقر وأرنب، فالصقر فوق مرتفع مشرف على الآفاق، رأى على بعد أرنبا بين شقوق الأرض، فهوى إليها، ولكنها تسرع لتنجو منه، فيزيد هو من سرعته حتى انقض عليها فانتظم قلبها:

ولا أمعر الساقين ظل كأنه ... على محزئلات الإكام نصيل

رأى أرنبا من دونها غول أشرج ... بعيد عليهن السراب يزول

فضم جناحيه ومن دون ما يرى ... بلاد وحوش أمرع ومحول

توائل منه بالضراء كأنها ... سفاة لها فوق التراب زليل

يقربه النهض النجيح لما يرى ... ومنه بدو تارة ومثول

فأهوى لها في الجو فاختل قلبها ... صيود لحيات القلوب قتول٢

ولعل أطرف ما في شعر الصعاليك من هذا الباب أحاديث الجن والغيلان.


١ ديوان الهذليين ٢/ ١١٧-١١٩. أقب: حمار ضامر البطن، جدائد: جمع جدود وهي التي لا لبن لها، وحول: جمل حائل وهي التي لم تحمل من عامها. والعقاق: الحمل. والظلم: طلب السفاد في غير موضعه. والذميل: سير لين من سرعة. والبرز: ما يبرز للشمس. واليفاع: المرتفع من الأرض. وقوله الخوف المحم يريد به الخوف الذي يأخذه معه هم وحديث نفس. والوبيل: العصا الغليظة الشديدة، يريد أنه من الخوف ضمر حتى صار كالعصا. ذكا النار: اشتعالها. من فيح الفروغ: أي يفور ويهتاج من مجراه الذي يجري منه كمثل فرغ الدلو. البضيع: الجزيرة في البحر. والخميل: القطيفة لها أهداب، يقول: صارت الشمس حين دنت للغروب فوق جزر البحر كأنها قطيفة لها أهداب يشبه بها أشعتها. وقوله: انشام نقعا أي دخل فيه، والنقع: الغبار. والسحيل: خيط لم يبرم يشبه به الغبار، أي أن الحمار دخل في غبار كأنه هذا النسيج قبل أن ينسج.
٢ ديوان الهذليين ٢/ ١٢١-١٢٣. أمعر الساقين: لا ريش عليهما، يريد به صقرا. المحزئل: المرتفع. النصيل: حجر طويل أملس يجعل في البئر. الأشرج: شقوق تكون في الأرض بعيدة طوال. غول: أي ذات بعد. يزول: أي يتحرك. بلاد وحوش: أي بلاد واسعة تسكنها الوحوش. توائل: أي تتوارى لتنجو منه. الضراء: ما واراك من الشجر. السفاة: الشوكة. وقوله لها فوق التراب زليل: أي من خفتها تزل فوق الأرض. اختل قلبها: أي انتظمه.

<<  <   >  >>