للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فزحزحت عنهم أو تجئني منبتي ... بغبراء أو عرفاء تفري الدفائنا

كأني أراها الموت لادر درها ... إذا أمكنت أنيابها والبراثنا

وقالت الأخرى خلفها وبناتها: ... حتوف تنقي مخ من كان واهنا

أخاليج وراد على ذي محافل ... إذا نزعوا مدوا الدلا والشواطنا١

أما الشنفرى فلا يخشى على جسده الضبع، بل يحرص على أن يهيئ لها منه وليمة شهية، وهو لهذا يبشرها بمقتله، ويطلب إلى قاتليه ألا يدفنوه:

لا تقبروني إن قبري محرم ... عليكم ولكن أبشري أم عامر٢

ويرسم أبو خراش في قصيدة له صورة طبيعية صادقة لحمار الوحش وأتنه التي استبان حملها، وما يدور بينه وبينها، فهي تتأبى عليه، وهو يصاولها ويتبعها. ولكن هذا ليس كل شيء في حياة هذا الحيوان، وإنما هناك جانب نفسي آخر في حياته، هو ذلك الذعر الذي يملأ نفسه همًّا من خشية الصيادين، ويعبر الشاعر عن هذا الذعر بمنظر الحمار وقد اعتلى مرتفعا من الأرض يشرف منه على الآفاق حوله، وقد امتلأت نفسه خوفا وهما، حتى إذا آذنت الشمس بالمغيب بعد يوم طويل شديد الحر تذكر إناثه، فأخذ يطاردها مرة أخرى وهي تعدو أمامه فتثير غبارا ممتدا كأنه خيوط لم تبرم:

أرى الدهر لا يُبقي على حدثانه

... أقب تباريه جدائد حول

أبن عقاقا ثم يرمحن ظلمه ... إباء وفيه صولة وذميل

يظل على البز اليفاع كأنه ... من الغار والخوف المحم وبيل

وظل لها يوم كأن أواره ... ذكا النار من فيح الفروغ طويل

فلما رأين الشمس صارت كأنها ... فويق البضيع في الشعاع خميل


١ الأغاني ١٨/ ٢١٣ - الضمير في "عنهم" يعود على أعدائه الذين يطاردونه وهو يفر منهم. والأخاليج: جمع إخليج وهو السريع، أو من خليج بمعنى جذب وانتزع. الدلال: هي الدلاء جمع دلو. والشواطن: الحبال.
٢ ديوانه في الطرائف الأدبية/ ٣٦. والشعر والشعراء/ ١٩ - وأم عامر: الضبع.

<<  <   >  >>