للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا استثنينا قصيدتين له في الغزل١ لأنهما خارج دائرة التصعلك، فإن كل ما لدينا من شعره بين الأبيات الثلاثة والتسعة، بل إن تأبط شرا، ومجموعته الشعرية أوفر عددا من هؤلاء، إذا استثنينا قصيدتيه اللتين ذكرناهما بين القصائد العشر المطولات، واستثنينا خمسا أخرى بين تسعة أبيات وستة عشر بيتا٢، فكل ما يتبقى أمامنا مجموعة بين بيت واحد وستة أبيات.

وهنا نقف لنتساءل: ما السر في هذا؟

نحن بين أمرين: إما أن نفترض أن مجموعة شعر الصعاليك التي بين أيدينا ناقصة لا من حيث عدد قصائده ومقطوعاتها فحسب، ولكن من حيث عدد أبياتها أيضا. وهو فرض له إغراؤه لأنه مريح من ناحية، ولأنه يتفق مع ما يذكره مؤرخو الأدب العربي من ضياع أكثر الشعر الجاهلي من ناحية ثانية، ولأنه -من ناحية ثالثة- مقبول في مثل حالة الشعراء الصعاليك الذين رأينا أن قبائلهم لم تكن تحرص على شعرهم، وحتى لو حرصت عليه فليست السبيل إليه ميسرة لهم.

وإما أن نقبل الحقيقة الماثلة أمامنا وهي أن مجموعة شعر الصعاليك -في مجموعها- مقطوعات قصيرة، ثم نتلمس العلة في ذلك. والعلة عندي هي طبيعة حياتهم نفسها، تلك الحياة القلقة المشغولة بالكفاح في سبيل العيش التي لا تكاد تفرغ للفن من حيث هو فن يفرغ صاحبه لتطويله وتجويده، وإعادة النظر فيه، كما كان يفعل الشعراء القبليون، تلك الطائفة "الأرستقراطية" التي فرغت للفن تلك فراغا هيأته لها قبائلها لا من أجل الفن ولكن من أجل أنفسها. وإلا فما معنى تلك الفرحة التي كانت تعم أفراد القبيلة جميعا حين ينبغ فيها شاعر إن لم تعمل القبيلة على الاستفادة من شاعرها وتهيئ له أو -بتعبير أدق- لها سبيل هذه الاستفادة؟

وهل نتصور مثلا أن يفرغ الشاعر الصعلوك لفنه كما كان يفرغ زهير


١ الأغاني ١٣/ ٦، ٧، ٨ "بولاق".
٢ حماسة أبي تمام ١/ ٤٦، ٢/ ٢٦، والأغاني ١٨/ ٢١٣، ٢١٤، ٢١٥.

<<  <   >  >>