لحولياته، أو أمرؤ القيس في حياته اللاهية الفارغة المطمئنة التي ضمن له رغدها ملك أبيه، أو النابغة في حياته المستقرة في بلاط المناذرة والغساسنة؟ الأمر الذي لا شك فيه هو أن حياة الصعاليك كانت حياة قلقة مضطربة، وأنهم جميعا كانوا يشعرون شعورا عميقا بأنها حياة قصيرة، وبأنهم دائما على موعد مع الموت الذي يترصدهم ترصد الموتور، حتى كثر ذكر الموت عندهم، وتردد الحديث عنه في شعرهم، صدى لما كان يجيش في نفوسهم من إحساس عميق بقصر حياتهم، وهل نظن شاعرا هذه طبيعة حياته يستطيع أن يفرغ لفنه يطيله ويجوده ويعيد النظر فيه المرة بعد المرة؟ أظن أن الطبيعي أن مثل هذه الحياة التي لا يكاد الشاعر يفرغ فيها لنفسه لا تنتج إلا لونا من الفن السريع الذي يسجل فيه الشاعر ما يضطرب في نفسه في مقطوعات قصير وموجزة، يسرع بعدها إلى كفاحه الذي لا ينظره ولا يمهله. أما تلك القصائد الطويلة القليلة فهي أصداء لفترات قليلة كانت تمر بحياة الشعراء الصعاليك يستريحون فيها من الكفاح في سبيل العيش، فيفرغون لأنفسهم يستخرجون من رواسبها العميقة فنا متأنيا مطمئنا مطولا مجودا رائعا ممتازا.
أما أنا فأميل كل الميل إلى هذا الرأي الثاني الذي يفسر الحقيقة الماثلة أمامنا تفسيرا واقعيا دون أن يتكلف في سبيل إنكارها الفروض النظرية التي إن جاز قبولها جاز رفضها.
ومع ذلك أليس من المحتمل أن يكون السبب في كثرة المقطوعات في شعر الصعاليك أنه وصل إلينا مفرقا في مصادر مختلفة اقتصر كل منها على ما يستشهد به منه، وأنه لو كان قد وصل إلينا مجموعا في ديوان مفردا أو دواوين مفردة لكان من الجائز أن يكون قصائد طويلة؟ وهو احتمال له وجاهته. وهنا لا يسعنا مرة أخرى إلا إبداء الأسف على عدم حصولنا على تلك المجموعة من أشعار اللصوص التي جمعها السكري، وعلى مخطوطة ديوان تأبط شرا الذي جمعه ابن جني. ولكن بين أيدينا مجموعة من الدواوين المفردة لطائفة من الشعراء الصعاليك: صخر الغي، والأعلم، وعمرو ذي الكلب، وأبي خراش في