للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السهل الذي لا يقبل معارضة، أو يثير جدلا، والذي ينفذ إلى النفس من أقرب السبل، ذلك العرض الذي يصح أن نطلق عليه "عرضا شعبيا"، حتى لنسمع أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يطلب إلى معلم أولاده ألا يرويهم هذه القصيدة، ويقول له: "إن هذا يدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم"١.

وأسوأ طوائف الصعاليك عند عروة هم أولئك الصعاليك الذين يقضون حياتهم في خمول وهوان وتخاذل، وقعود عن طلب الغنى، وخدمة لنساء الحي المترفات:

لحا الله صعلوكا إذا جن ليله ... مصافي المشاش آلفاكل مجزر

يعد الغنى من دهره كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسر

ينام عشاء ثم يصبح طاويا ... يحت الحصى عن جنبه المتعفر

قليل التماس الزاد إلا لنفسه ... إذا هو أمسى كالعريش المجور

يعين نساء الحي ما يستعنه ... فيمسي طليحا كالبعير المحسر٢

أما أولئك الصعاليك العاملون الذين يقضون حياتهم في العمل والكفاح والمغامرة فإن عروة معجب بهم إعجابا شديدا؛ لأنهم الذين آمنوا بمذهبه في الحياة، وسلكوا سبيله فيها، فهو لهذا يكيل لهم مدحه ويضفي عليهم ثناءه:

ولكن صعلوكا صحيفة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور

مطلا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر

فإن يعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر

فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر٣

هكذا كان أبو الصعاليك ينادي بمذهبه في أرجاء المجتمع الجاهلي. وليس


١ الأغاني ٣/ ٧٥.
٢ ديوانه/ ٧٣-٧٧.
٣ ديوانه/ ٧٨-٨٢.

<<  <   >  >>