للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول متحدثا عن اعتماده على كلا الأسلوبين في بعض غاراته:

لعل انطلاقي في البلاد، ورحلتي ... وشدي حيازيم المطية بالرحل

سيدفعني يوما إلى رب هجمة ... يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

قليل تواليها وطالب وترها ... إذا صحت فيها بالفوارس والرجل١

وقد وفر الصعاليك لهذه الغارات كل ما يحقق لها النجاح، وبلوغ الغاية، وإدراك الهدف. فإلى جانب ما وفروه لها من قوة الجسد، وشجاعة القلب، وصدق العزيمة، وسرعة العدو، وفروا لها سعة الحيلة، وعمق الدهاء، والقدرة على الخلاص من المآزق الضيقة، والمواقف الحرجة. ففي أخبار الشنفرى أنه كان إذا سار في الليل نزع نعلا ولبس نعلا، وضرب برجله، حتى يموه على الناس، فيظنوه الضبع٢. وفي أخباره أيضا أنه أقبل في ليلة على ماء لبني سلامان، فلما دنا من الماء قال: إني أراكم، وليس يرى أحدا، إنما يريد بذلك أن يخرج رصدا إن كان ثمة من يترصد له٣. وفي أخبار السليك أنه احتال على رجل في سوق عكاظ حتى عرف منه منازل قومه، تمهيدًا للإغارة عليها٤.

وخبر الحيلة التي لجأ إليها تأبط شرا، حين حاصرته لحيان وهو يشتار العسل من غار في بلادهم، خبر ذائع مشهور٥. وقصة احتياله هو الشنفرى وابن براقة على بجيلة حين أسرته، حتى نجا ونجا معه صاحباه، وهي القصة التي أشار إليها في قافيته المفضلية، قصة مشهورة أيضا٦.

وإلى جانب هذا كله كان طبيعيًّا أن يوفر الصعاليك لغاراتهم السلاح الذي


١ ديوانه/ ١٠٨-١١١. وشرح التبريزي على حماسة أبي تمام ٢/ ٩.
٢ ابن الأنباري: شرح المفضليات/ ١٩٧، والأغاني ٢١/ ١٣٧، وابن حبيب: كتاب المغتالين "مصورة" لوحة رقم ٩٣.
٣ الأغاني: ٢١/ ١٤٣.
٤ الأغاني ١٨/ ١٣٥-١٣٦.
٥ انظر التبريزي: شرح ديوان الحماسة ١/ ٣٨ وما بعدها، والأغاني ١٨/ ٢١٥، والبغدادي: خزانة الأدب ٣/ ٣٥٧، وابن حبيب: المحبر/ ١٦٩-١٩٨.
٦ انظر ابن الأنباري: شرح المفضليات/ ٦-٧، والأغاني ١٨/ ٢١١-٢١٢.

<<  <   >  >>