للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعتمدون عليه في هجومهم ودفاعهم؛ لأن الشجاعة أو القوة أو غيرها من الصفات التي كانوا يمتازون بها لا تكفي وحدها "في تلك البادية الفوضوية التي لا يستطيع إنسان أن يعيش فيها ما لم يكن مزودا بسيف أو قوس"١.

والواقع أن الصعاليك أعدوا لغاراتهم كل ما كانت تعرفه الجزيرة العربية من سلاح، سواء منه ما كان للهجوم وما كان للدفاع، ووصفوا في شعرهم كل ما كانوا يستخدمونه منه، وتحدثوا عن قيمته لهم في غزواتهم، بل في حياتهم كلها، فقد كانوا يرون فيه أهم شيء في حياتهم، وأغلى ما يملكون فيها، وما يخلفونه بعدها، فعمرو بن براقة يذكر أن سيفه هو "جل ماله"٢، وعروة يذكر أنه لن يخلف بعد موته سوى سيف ورمح ودرع ومغفر وجواد:

وذي أمل يرجو تراثي، وإن ما ... يصير له منه غدا لقليل

ومالي مال غير درع، ومغفر٣ ... وأبيض من ماء الحديد صقيل

وأسمر خطي القناة مثقف ... وأجرد عريان السراة طويل٤

هذا كل ما يملكه أبو الصعاليك، وكل ما سيخلفه من بعده لوارثيه، وهذا كل ما يسجله في "وصيته" من "ثروته". وقد بلغ من شدة حرص صخر الغي الصعلوك على سلاحه أنه كان يراه ثيابا له لا يخلعها عن جسده٥، ويذكر الرواة أن تأبط شرا "كان لا يفارقه السيف"٦.

وقد استتبعت هذه الحياة الواقفة في وجه المجتمع، المتمردة عليه، الخارجة على نظمه، أن فقد المجتمع اطمئنانه إلى أصحابها، كما فقد أصحابها طمأنينتهم فيه، فانقطعت الصلة بينهما، وانفصمت تلك الرابطة الاجتماعية التي تربط بين الفرد ومجتمعه، وانحل ذلك العقد الاجتماعي الذي يجعل من الفرد عضوا


١ Dermenghem; The Life Of Mahomet, P. ١٧٣.
٢ انظر أبياته الميمية في الأغاني ٢١/ ١٧٥.
٣ معطوف على محل "درع"؛ لأن المعنى "ليس لي إلا درع ومغفر".
٤ ديوانه/ ٢٠٧.
٥ انظر قصيدته الدالية في السكري: شرح أشعار الهذليين ١/ ١٣.
٦ الجوهري: صحاح اللغة، مادة "أبط".

<<  <   >  >>