للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي شعر الصعاليك أحاديث كثيرة عن الصحراء، وفخر عريض بمعرفة أسرارها، والاهتداء في مجاهلها، كما ترى في تلك الأبيات الرائية التي يرويها الأصمعي لتأبط شرا، والتي يتحدث فيها عن اهتدائه إلى شعب في أعماق الصحراء المجهولة بصعاليكه دون أن يهديه إليه دليل أو يصفه له خبير١، وكما نرى في هذه الأبيات القوية من لامية العرب:

وخرق كظهر الترس قفر قطعته ... بعاملتين، ظهره لي يعمل

وألحقت أولاه بأخراه موفيا ... على قنة أُقعي مرارا وأمثل

ترود الأراوي الصحم حولي كأنها ... عذارى عليهن الملاء المذيل

ويركدن بالآصال حولي كأنني ... من العصم أدفى ينتحي الكيح أعقل٢

فالشاعر في هذه الأبيات يصف الصعلوك بأنه يخترق الصحراء النائية الخالية التي لا يطرقها أحد، معتمدا في اختراقها على رجليه القويتين السريعتين، حتى يصل إلى منازل الوعول البعيدة التي لم تعد تنكره، لكثرة ما خالطها، حتى كأنه واحد منها.

والناظر في أخبار هؤلاء الصعاليك، المتتبع لظروف نشأتهم وحياتهم، يستطيع أن يلاحظ في وضوح ثلاث طوائف مختلفة تتألف منها عصاباتهم:

طائفة "الخلعاء والشذاذ" الذين أنكرتهم قبائلهم، وتبرأت منهم، وطردتهم من حماها، وقطعت ما بينها وبينهم من صلة، وتحللت بهذا من العقد الاجتماعي الذي يربط بينها وبينهم، والذي يصوره المثل العربي القديم "في الجريرة تشترك العشيرة"٣، فأصبحت لا تحتمل لهم جريرة، ولا تطالب


١ انظر الأصمعيات ١/ ٣٥.
٢ أعجب العجب/ ٦٧-٦٩ - الخرق: الأرض الواسعة تنخرق فيها الرياح. والعاملتان: رجلاه. وظهره ليس يعمل أي ليس مما تعمل فيه الركاب. وموفيا أي مشرفا. والقنة: أعلى الجبل. وأمثل: أقف وأقوم. والأراوي: إناث الوعول. والصحم: السود التي يضرب لونها إلى صفرة. ويركدان أي يثبتن. والعصم: الوعول التي في أيديها بياض. والأدفى من الوعول: الذي طال قرنه طولا شديدا. والكيح: عرض الجبل. والأعقل: الممتنع في الجبل العالي.
٣ الميداني: مجمع الأمثال ٢/ ١٧.

<<  <   >  >>