للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تدهور الحضارات القديمة، وتشتت القبائل، وانبعاث الهجرات من تلك الجهات، في العهد السابق للإسلام مباشرة، مرتبط على ما يظهر ارتباطا وثيقا بتغيرات المناخ، وذبذباته، وعودته إلى الجفاف النسبي بعد الحالة الممطرة١.

ويلاحظ الدارسون أن هذه القدرة على هجرة الجماعات الرعوية، إنسانها وحيوانها، إلى مراع جديدة ميزة هامة تمتاز بها هذه الجماعات، ويلاحظون أن هذا يتم في سهولة ويسر، ما لم تكن في الأرض الجديدة جماعة أكبر عددا، وأشد بأسا من الجماعة المهاجرة٢. ويرد بعضهم هذه السهولة وهذ اليسر إلى أن كمية المطر القليلة التي تسقط في الصحراء لا تساعد على نمو الغابات التي تقوم حاجزا في طريق الهجرات٣.

ومما يزيد من قسوة الحياة في أيام الجفاف اقترانها في الغالب بريح السموم، تلك الريح المهلكة٤ التي تشوى منها الصحراء كما يقول الشاعر القديم٥.

ويرجع السبب الأساسي في هذه الحالة القاسية التي تعانيها الصحراء إلى قلة الماء "فليس في البادية العربية أنهار دائمة الجريان، وإنما هي أودية تمتلئ بالماء في مواسم المطر، ويغيض ماؤها بعد ذلك"٦، وموسم المطر في البادية


= الجزء الأول، مايو ١٩٣٥" تحت عنوان:
changement historique du climat et du paysage de l'arabia du sud", P. ٢٣.
١ الباحث نفسه في تقريره عن بعثة الجامعة المصرية إلى اليمن وحضرموت ١٩٣٦ المنشورة بالعربية بمجلة كلية الآداب "المجلد الرابع، الجزء الثاني، ديسمبر ١٩٣٦" ص١٩٧.
٢ ميرز في مقالته عن "المناخ والجغرافيا وأثرهما في التاريخ" المنشورة في مجموعة "تاريخ العالم" لسير جون هامرتن، الفصل التاسع/ ٣٥٧.
٣ semple; influences of geographic environment, P. ٤٨٣.
٤ انظر القصة الواردة في الأغاني ١١/ ٤٢ "دار الكتب".
٥ البعيث الحنفي في حماسة أبي تمام بشرح التبريزي ٤/ ١٥٠.. "وهاجرة يشوي مهاها سمومها".
٦ o'leary; arabia before muhammad, P. ٦.

<<  <   >  >>