للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العربية قصير١، ومن هنا كان جفاف هذه الأودية طويلا "فهي في العادة تظل جافة تسعة أشهر أو عشرة في العام"٢.

ولكن الحال في اليمن تختلف، وذلك لأن "الغدران الساحلية تكثر فيها في أثناء فصل الأمطار، وقد تمتلئ في بعض الأحيان فجأة إلى درجة الفيضان، فتندفع جارفة أمامها كل شيء، وتسمى في هذه الحالة سيولا"٣، ويحدثنا امرؤ القيس في معلقته عن سيل من هذه السيول اقتلع الأشجار الضخمة، وأنزل العصم من رءوس الجبال، وجرف النخل والأجم، وأغرق السباع حتى بدت فيه كأنها "أنابيش عنصل"، بل إنه أحاط ببعض الجبال حتى بدت قممها كأنها "من السيل والغثاء فلكة مغزل" وفي أغلب الظن أن هذا الوصف ليست فيه مبالغة كبيرة، وأنه ليس خيال شاعر، فأحد هذه السيول هو الذي جرف أمامه سد مأرب المشهور، كما يحدثنا القرآن الكريم٤، ولم يكن هذه السد بالبناء الهين الشأن، وإنما كان سدا أصم طوله من الشرق إلى الغرب نحو ثمانمائة ذراع، وارتفاعه بضعة عشر ذراعا، وعرضه مائة وخمسون ذراعا٥.

وقد وقف سكان الجزيرة العربية من هذه المياه التي تتدفق بها الصحراء في مواسم المطر موقفين، هما موقفا الحضارة والبداوة: أما أهل اليمن فقد استطاعوا استغلال هذه المياه المتدفقة، فأقاموا السدود في عرض الأودية لحجز السيول، والانتفاع بمياهها في إحياء موات الأرض، ويصف القرآن الكريم مسكن سبأ بأنه {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} ٦، وقد استغل اليمنيون هذه الظاهرة الطبيعية استغلالا واسعا "فلم يدعوا واديا يمكن استثمار جانبيه بالماء إلا حجزوا سيله بسد،


١ lammens; le berceau de i'islam, vol. i, P. ١٥٨.
٢ zwemer; arabia, the gradle of islam, P. ٢٢
٣ ibid,. P. ٢١.
٤ سبأ/ ١٦.
٥ جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام ١/ ١٥٦.
٦ سبأ/ ١٥.

<<  <   >  >>