للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتكاثرت الأسداد بتكاثر الأودية حتى تجاوزت المئات"١، ويذكر الهمذاني أن في أحد مخاليف اليمن ثمانين سدا أشار إليها بعض شعرائهم٢.

أما أهل البادية في الحجاز ونجد فقد تركوا السماء تمطر فتحيي لهم ما تحيي من الأرض، فإذا زادت مياهها عن الحاجة ذهبت بها رمال الصحراء، حتى إذا ما انقضى فصل المطر عادت الطبيعة لجدبها، وعادت الحياة لجفافها، وعاد القوم لظمئهم وقحطهم. ويبدو أن السبب في هذا يرجع إلى طبيعة الظاهرة الجغرافية نفسها، فإن تلك السيول التي عرفتها أودية اليمن لم تعرفها البادية العربية في الحجاز ونجد -بحكم ظروفها الجغرافية- إلا نادرا، هذا إلى جانب أن أكثر أهل الحجاز ونجد كانوا بدوا لم يصلوا من الحضارة إلى درجة التحكم في هذه السيول والانتفاع بها.

ومع ذلك فليست الجزيرة العربية كلها جدبا، وإنما هناك مناطق خصبة، وقد رأينا خصب اليمن التي يسميها الهمداني "اليمن الخضراء" لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها٣.

ويذكر الجغرافيون من هذه المناطق الخصبة هضبة نجد العالية٤، التي ترتفع عن سطح البحر زهاء أربعة آلاف قدم، والتي تكسو أغلبها مراع خصبة، وتنتشر فيها الاشجار، ومن هنا اشتهرت بنتاج غنمها وإبلها وخيلها٥، ويرجع السبب في هذه الخصب إلى وفرة المياه التي "توجد في كل مكان، في آبار لا يتجاوز عمقها خمسة عشر قدما وقد يقل عنها"٦، كما أن قممها التي يتجاوز ارتفاعها خمسة آلاف قد تساعد على تجميع المياه٧.


١ جرجي زيدان: العرب قبل الإسلام ١/ ١٤١.
٢ صفة جزيرة العرب ١/ ١٠١.
٣ المصدر السابق/ ٥١.
٤ semple; influences of geographic environment, P. ٥٠١.
٥ zwemer; arabia, the gradle of islam, pP. ١٤٧-١٤٨.
٦ ibid,. P. ١٤٧.
٧ semple; influences of geographic environment, P. ٥٠١.

<<  <   >  >>