للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فآووه وأحسنوا إليه"١. والظاهر أن هذا كان قبل استجارته ببني فراس.

وألف قيس بعد خلعه عصابة من صعاليك العرب جمع فيها "شذاذا من العرب وفتاكا من قومه"٢، ويغلب عليَّ الظن أن هؤلاء الفتاك هم أولئك الذين اشتركوا معه في حادثة القتل التي كانت سببا في خلعه. وكان أول ما فعلته هذه العصابة أن حاولوا الانتقام لأنفسهم من أولئك الذين كانوا سببا في خعلهم، فأغاروا عليهم وقتلوا منهم رجلا واستاقوا أموالهم٣، وهكذا أثبت لقومه الذين خلعوه أنه قادر على أن يقف في وجههم برغم أنه "خليع مطرد"، على حد تعبيره في بعض أبياته٤، وأنه لا يتورع عن قتل أي فرد من قومه وقف في طريقه، وأنه قادر على أن يسلبهم تلك الأموال التي كان حرمانه منها سببا في عجزه عن دفع الدية ثم في خلعه نتيجة لذلك. ومع ذلك فقد كان قيس نبيلا في موقفه من أولئك الذين لم يكن لهم ضلع في خلعه، فقد لحقه بعد هذه الغارة "رجل من قومه كان سيدا، وكان ضلعه مع قيس فيما جرى عليه من الخلع يقال له ابن محرق، فأقسم عليه أي يرد ما استاقه، فقال: أما ما كان لي ولقومي فقد أبررت قسمك فيه، وأما ما اعتورته أيدي هذه الصعاليك فلا حيلة لي فيه، فرد سهمه وسهم عشيرته"٥. وهكذا كان قيس الصعلوك "سيدا" في موقفه، فرق بين أولئك الذين كانوا سببا في خلعه وبين سائر عشيرته ممن لم يكن لهم يد في هذا الخلع، وفرق بين مركزه زعيما لعصابة لأفرادها حق في الغنيمة لا يجوز حرمانهم منه، وبين مركزه طالبا الانتقام من جماعة معينة.

وظل هذا الصعلوك المتمرد يجمع الخلعاء والشذاذ ويغير بهم، حتى قتل


١ المصدر السابق/ ٥.
٢ المصدر نفسه/ ٢.
٣ المصدر نفسه/ ٢.
٤ المصدر نفسه/ ٥.
٥ المصدر نفسه/ ٢، والضلع -بفتح الضاد- الميل. واعتوروا الشيء: تداولوه.

<<  <   >  >>