للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم تكد تعرف طعم الاستقرار إلا في فترات متقطعة، متنقلا بين أحياء العرب مستجيرا بها، لا يكاد يستقر في جوار حتى يحدث ما يعيده إلى حياة الاضطراب مرة أخرى. وهو يشكو في شعره مر الشكوى من غدر من يستجير بهم:

أجد بني الشرقي أولع أنني ... متى أستجر جارا وإن عز يغدر

إذا قلت أوفى أدركته دروكة ... فيها موزع الجيران بالغي أقصر١

ويبدو أن شاعرنا الصعلوك كان سيئ الحظ مع جيرانه، فقد كان مجاورا في بطن من طيئ يقال لهم بنو جديلة، "فنطح تيس له غلاما منهم فقتله" فتعلقوا أبا الطمحان وأسروه حتى يؤدي ديته مائة من الإبل، فاستنجد بنزيله، مصورا في أبيات له ذل موقفه، وحسرته على بعده عن قومه٢

ويشاء سوء حظه مرة أخرى أن تقتتل طيئ فيها بينها، وتتحزب حزبين، وينهزم حزب جديلة الذي كان مجاورا فيهم، ويؤسر أبو الطمحان في هذا القتال "أسره رجلان من طيئ واشتركا فيه"، فاشتراه منهما أحد أفراد القبيلة، بعدما بلغته أبيات له يمدح فيها قومه، فمدحه أبو الطمحان بقصيدة، فجز الطائي ناصيته وأعتقه٣، وهكذا أنقذه شعره من سوء حظه مرتين.

وحدث أنه استجار مرة بعد الله بن جدعان التيمي، فعدا عليه قوم من بني سهم ونهبوا إبله كلها، فأتى عبد الله بن جدعان يستصرخه، ولكنه لم يستطع أن ينصره؛ لأنه لم يكن فيه ولا في قومه قوة ببني سهم، فأنشد أبو الطمحان أبيات يحن فيها إلى وطنه وأهله وأيامه بينهم، ويندب سوء حظه، ثم ارتحل عنهم٤.


١ الأغاني ١١/ ١٥١ "دار الكتب"، ١٦/ ٦٩. ورواية البيتين في هذا الموضع الأخير تختلف بعض الاختلاف اللفظي عن روايتهما في الموضع الأول؛ ولكنه اختلاف لا يغير المعنى أي تغيير.
٢ الأغاني ١١/ ١٣٣ "بولاق".
٣ المصدر السابق/ ١٣٢ و١٣٣، وانظر بيتا له في مدح بني لأم في الشعر والشعراء/ ٢٣٠.
٤ الأغاني ١٦/ ٦٩.

<<  <   >  >>