يقول: اهدنا الصراط المستقيم أي أرشدنا إليه، ولما تقدم الثناء على المسؤول -تبارك وتعالى- ناسب أن يُعقَب بالسؤال، كما جاء في الحديث الصحيح ((فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل)) وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله، ثم يسأل حاجته، وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: اهدنا؛ لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، والهداية: الدلالة والإرشاد، والتوفيق والإلهام، وطلبها هنا ممن اهتدى؛ لأن الذي يقول: هو القارئ للقرآن سواء كان في الصلاة أو في غيرها، وهو ممن هدى الله، فطلبها ممن اهتدى للدوام والاستمرار، كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(١٣٦) سورة النساء] يعني اثبتوا على إيمانكم ودوموا عليه، واستمروا عليه، وجاء في الحديث:((قل آمنت بالله ثم استقم)) أيضاً يستفاد من طلب الهداية هنا الزيادة منها {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [(١٧) سورة محمد] فالعبد بحاجة إلى أن يدعو الله -سبحانه وتعالى- ليل نهار في أن يثبته ليستمر على هذه الهداية، وأن لا يزيغ قلبه، ويصرفه عن هذه الهداية، وجاء في دعاءه -عليه الصلاة والسلام-: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) وهو أشرف الخلق، وأيضاً العبد وإن كان ممن اهتدى إلا أنه بحاجة إلى مزيدٍ من هذه الهداية؛ لأن الإيمان قابل للزيادة والنقصان على مذهب أهل الحق من أهل السنة والجماعة، فنحن بحاجة إلى أن نسأل الله -سبحانه وتعالى- طلب المزيد من الهداية ومن الإيمان، وأن نبذل السبب يعني نسأل الهداية، ونسأل المزيد منها، ونسأل الثبات ونترك الأسباب؟! لا، لا بد من بذل الأسباب، والهداية نوعان: هداية الدلالة والإرشاد، وهذه مثبتة لغير الله -سبحانه وتعالى- كما قال:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(٥٢) سورة الشورى] وأما النوع الثاني من أنواع الهداية: وهو التوفيق والقبول، هذه منفية عمن سوى الله -سبحانه وتعالى-، كما في قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(٥٦) سورة القصص] الهداية في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [(٩) سورة الإسراء] من النوع الأول