{كَذَلِكَ} [(١١) سورة ق] أي: "مثل هذا الإحياء الخروج من القبور -يعني البعث- فكيف تنكرونه؟ وهذا من الأمثال التي يضربها للناس، يضربها الرب -جل وعلا- للناس، يضرب المعقول المعنوي بالمحسوس، يعني هل ينكر الناس أن السماء ينزل منها المطر، ينزل الله -جل وعلا- منها المطر على الأرض الميتة ثم ينبت فيها العشب والكلاء، ما ينكرون هذا، لماذا ينكرون البعث وهذا مثله؟ فكيف تنكرونه؟ يقول: "والاستفهام للتقرير" الاستفهام للتقرير، ولا يمنع أن يكون الاستفهام للتوبيخ والإنكار، "والاستفهام للتقرير، والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر" هذا مثل ضربه الله -جل وعلا- لهؤلاء من أجل أن يقيسوا الغائب على الحاضر، المعنوي بالمحسوس، الخفي بالمشاهد، لكن الأمثال من يعقلها؟ ما يعقلها إلا العالمون، ولذا كثير من أهل العلم إذا أشكل عليه فهم مثل رجع إلى نفسه بالتأنيب، كيف يدعي العلم؟! والله -جل وعلا- يقول عن هذه الأمثال:{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(٤٣) سورة العنكبوت] فعلينا معاشر طلاب العلم أن نعنى بالأمثال {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [(٢١) سورة الحشر] هذه الأمثال من أغلى وأنفس ما يدرس من فروع علوم القرآن؛ لأن النفي والإثبات الحصر {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(٤٣) سورة العنكبوت] معناه أن الجهال لا يعقلونها، فإذا أنت جربت نفسك في مثل من الأمثال لم تفهمه فأنت جاهل؛ لأن الجهال لا يعقلون هذه الأمثال، والله -جل وعلا- لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها، فالله -جل وعلا- يضرب الأمثال؛ لأنه بالأمثال يتضح المقال، هناك أمور معنوية لا يحسها الإنسان، ولا يدركها بحواسه، يدركها بالخبر، لكن لا يستطيع أن يدركها على حقيقتها إلا بالمثل؛ لأن الشيء الذي لم تره هل يكفي السماع بالإحاطة به؟ ما يكفي، الآن أنت تسمع عن عالم في الهند مثلاً تعرف عنه ما بلغك من علمه، وما بلغك من وصفه، لكن هل تستدل باسمه على حقيقته؟ لو مثلاً قيل لك: زيد بن فلان في المغرب، وألف كتاب كذا وكذا، تعرف منه بهذا القدر المحدود، بخلاف ما لو رأيته، إذا لم تره ولم يتسنَ لك لقياه قيل لك: إنه