ويقال لهم تبكيتاً وزجراً:{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [(١٤) سورة الطور]، {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ}؛ لأن الكافر لا يؤمن بجنة ولا نار، ولو أمن بجنة لعمل لها، ولو صدق بنار لبذل الأسباب للفرار منها.
وإذا كانت نار الدنيا المتوقعة تبذل الأسباب لعدم وقوعها، تجدون وسائل السلامة والطفايات وغيرها على أهبة الاستعداد؛ خوفاً من أن يقع شيء من نار الدنيا -يلتمس كهرباء، وإلا ينفجر غاز، وإلا شيء- أسباب السلامة الناس يحتاطون لها، وهي جزء من سبعين جزء من نار جنهم ((ناركم التي توقدون عليها أنها جزء من سبعين جزءاً، وإن نار الآخرة أو نار جنهم فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً))، وجاء في بعض الآثار أن أهل النار لو خرجوا إلى الدنيا لناموا في نارها -ينامون-، والآن إذا ارتفعت درجة الحرارة قليلاً ما نام الناس بدون نار، بدون شمس تحت السقف والحرارة ترتفع إلى الأربعين تجد الإنسان ما ينام، فكيف بنار الدنيا التي تذيب الحديد؟ وكيف بنار الآخرة التي فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً؟
يعني العاقل عليه أن يتأهب، ونسمع النصوص من الكتاب والسنة، ونسمع في الأخبار الصحيحة أن دخول النار رتب على كذا من الأعمال، وتجد المسلم المؤمن المصدق الموقن قد يرتكب بعض هذا الأعمال التي رتب عليها دخول النار لمجرد شهوة أو نزوة، وقد تكون هذه الشهوة لا يستفيد منها ولا يتلذذ بها، فعلى سبيل المثال أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ثلاثة: المجاهد الذي يقتل في سبيل الله في الظاهر، يؤتى به يوم القيامة ويقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: قاتلت وجاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقال له: كذبت إنما قاتلت وجاهدت حتى قتلت ليقال: جري أو شجاع فيسحب على وجهه في النار، ومثله الذي يعلم الناس، يتعلم يسهر ويتعب العقود؛ ليتعلم العلم، ثم بعد ذلك يعلم الناس عشرات السنين، ثم يأتي به يوم القيامة فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: تعلمت فيك العلم، وعلمت الناس فيقال له: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال، فيسحب كصاحبه على وجهه إلى النار.
ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم