{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [(٤٨) سورة الطور] بإمهالهم، ولا يضق صدرك"، يعني كثير من المسلمين إذا رأى ما عليه المسلمون من ذلة وفقر في بعض البلاد، وشدة وحروب وقتل في بلاد المسلمين، وبلاد الكفار أشبه ما تكون بالجنات بالبساتين يضيق صدره، لكن الذي يوقن ويؤمن بوعد الله -جل وعلا- وما أعده لمن آمن به، وما أعده من كفر به الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، ويعرف أن ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، فإذا عرف حقيقة الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك لما سقى منها كافر شربة ماء، لكن من يدرك مثل هذا إنسان يمدون أعينهم إلى ما متع به الكفار، تراهم إذا رأوا الكافر في رغد من العيش، وفي سعة، وفي رفاهية يضيق صدره يقول: نحن المسلمون المؤمنون المطيعون الممتثلون على هذه الحالة والكفار يوسع عليهم، وصار ذلك سبب فتنة لبعض المسلمين، حتى زعم من زعم أن الدين هو الذي غل أهله، وقيدهم عن لحاق الكفار في مظاهر الدنيا، وألف في ذلك كتاباً أسماه: "هذه هي الأغلال" سمى الدين غل، وبعضهم ينبز الدين بأنهم أفيون الشعوب يعني -مخدر-، مع أنه هو دين الذي يجمع بين الدنيا والآخرة، لكن الهدف الأعظم والأسمى هو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأما بالنسبة للدنيا فهي لمجرد الاستعانة بها لتحقيق هذا الهدف، فإذا نظر الإنسان إلى هذه الدنيا بعين البصيرة ما التفت إليه، واطمأنت نفسه وارتاح قلبه، ولا يأسف على ما فات، ولا يحزن على ما مضى، فليحرص على مستقبله الحقيقي الدار الحقيقية -دار الآخرة-، وأما هذه الدنيا فليست بشيء، يقال: أن نوح -عليه السلام- سأل لما حضرته الوفاة، قيل ما مثل هذه الدنيا؟ قال: كمثل بيت دخلت من باب وخرجت من باب، ونوح عاش كم؟ ألف سنة إلا خمسين عاماً في الدعوة، والله أعلم كم كان قبل ذلك؟ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن العذاب ينزل بهم".