الفضيل بن عياض -رحمه الله- لم يستطع أن يوفق، فلما مات ولده ضحك بين الناس ليبرهن ويأطر نفسه على تمام الرضا بالقدر، ومع ذلك لم يستطع أن يقف في هذا الموقف موقف النبوة، والناس لا شك أنهم يتفاوتون، وكثر في التابعين من يتأثر بالقرآن ويصعق، وزرارة بن أوفى سمع الإمام يقرأ فإذا نقر في الناقور خر مغشياً عليه ومات، وبعض الناس لا يدخل مزاجه مثل هذا الكلام، فتجده ينكره لأنه ما يجد في قلبه شيء، أدنى إحساس من هذا الأمر، شيخ الإسلام يثبت مثل هذا، وهو من أبعد الناس عن الخرافات، قد يقول قائل: إن هذا يكثر في العباد يكثر في كذا، لا يكثر في العلماء، نقول: المسألة مسألة توفيق، يعني من استشعر هذه العظمة لا بد أن يحصل منها، والعلماء هم أهل الخشية، هم أهل الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(٢٨) سورة فاطر].
"فنزل جبريل له في صورة الآدميين"{ثُمَّ دَنَا} [(٨) سورة النجم] "قرب منه"، دنا جبريل عند أكثر المفسرين، {فَتَدَلَّى}"زاد في القرب" إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- {فَكَانَ} [(٩) سورة النجم] "منه" فكان جبريل منه -عليه الصلاة والسلام- {قَابَ} قدر {قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} القوس معروف الذي ترمى به السهام، القوس الذي فيه الوتر، ومن خلاله ينطلق السهم إلى الرمية، "قاب" يعني: قدر قوسين، العرب تقيس بالقوس، تقيس بالرمح، إذا ارتفعت الشمس قد رمح، تقيس بالباع، وبالذراع، وبالشبر، وبالفتر، عندها أقيسة، هذه وإن كانت فيها شيء من التفاوت إلا أنها معمول بها عندهم، فشبر زيد ليس كشبر عمر، لكن هذا الشبر إنما يتفق عليه بعد الرؤية، ما يقول شخص غائب: أبيع عليك بشبري عشرة أشبار بكذا؛ لأنه ما يدرى كم شبره؟ لكن إذا نظرت إلى شبره وأنه كبير أو صغير إما توافق وإلا تخالف، المقصود أن هذه مقاييس عند العرب، {قَابَ قَوْسَيْنِ} [(٩) سورة النجم] يعني: قدر قوسين {أَوْ أَدْنَى}"من ذلك حتى أفاق وسكن روعه".