فهذا التقرير يحمل المخاطب على الإقرار والإذعان بوقوع العذاب بالمكذبين لنوح موقعه وأن السنة واحدة، ما حل بهم يحل بمن فعل فعلهم، وهذه هي فائدة القصص في القرآن {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(١١١) سورة يوسف] لكن لمن {لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} يعني ليس مجرد قصص وتسلية وأخبار مثل ما يذكر في كتب السمر مجرد أخبار لا حقيقة لها، يعني قد يقرأ الإنسان سيرة عنترة بن شداد ثمانية مجلدات، أو حمزة بهلوان، أو الأميرة ذات الهمة قصص سواليف، ثم ماذا فيها عبرة؟ ما فيها عبرة؛ لأنها خيال ليست بواقع، أو فيها واقع لا يفيد، بينما قصص القرآن عبرة وليست مجرد تسلية، هي تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتسلية لهذه الأمة، تسلية لمن اعتبر واتعظ وادكر، لكن مع ذلك هي إنما سيقت لنخشى ونحذر السبب الذي عذبوا من أجله، ولذا يقول عمر -رضي الله عنه- "مضى القوم ولم يرد به سوانا" يعني ما الفائدة أن نعرف أن قوم نوح اغرقوا، وقوم عاد أهلكوا بالريح، وقوم ثمود إلى آخره كما سيأتي؟ لا فائدة من ذلك إلا أننا نتصور ما وقع بهم، ونجتنب ما أوقعهم في هذا العذاب.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(١٧) سورة القمر] يقول: سهلناه للحفظ وهيأناه للتذكر، {يسرنا القرآن} يعني سهلناه للحفظ، وهيأناه للتذكر بخلاف الكتب الأخرى فإنها لم تيسر، ومن صفة هذه الأمة أن أناجيلها في صدورها {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(٤٩) سورة العنكبوت] بينما الأمم السابق لا، يقرؤون في الألواح، يقرءونه مكتوباً فلم ييسر لهم حفظ كلام الله -جل وعلا-، وكلام الله -جل وعلا- قوي لا يستطاع إلا بإعانة من الله-جل وعلا-.