{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً} تركت السفينة آية وعلامة، ترك الخبر خبر إغراقهم آية وعلامة، فمثل هذه الأمور ينتبه لها، {آية}"لمن يعتبر بها أي شاع خبرها واستمر" يعني تناقلته الأجيال لأن مثل هذا الخبر لا ينسى لا يمكن أن ينسى، حتى غير المسلمين من الأمم تعرف أن قوم نوح أغرقوا؛ لأن هذه أمور تناقلها الرواة وتباينت بها الأخبار، يعني من أقطار متعددة ولا يمكن أن تكون ناشئة وصادرة عن إشاعة مصدرها واحد أبداً، ولذا قال:{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يعني هذه الآية بلغت المشارق والمغارب، ومع ذلك لم ينتفع بها ولم يزدجر ولم يستفد منها إلا أهل الذكر، أهل التذكر {فهل من مدكر}"معتبر ومتعظ بها وأصله مذتكر"؛ لأنه من الذكر افتعال من الذكر، فالذال موجودة والتاء تاء الافتعال موجودة " {مذتكر} أبدلت التاء دالا"، تاء الافتعال تبدل دالاً مثل ازدجر، دالاً مهملة وكذا المعجمة أبدلت دالاً فأدغمت الدال بالدال فصارت مدكر، وقرئ {مذكر} بالذال لأنها الذال أصلية وتاء الافتعال أبدلت دالاً فأبدلت الذال دال وأدغمت الذال في الدال وأدغمت فيها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [(١٦) سورة القمر] "أي إنذاري، استفهام تقرير" فكيف كان عذابي يقررهم فكيف كان عذاب ونذر يعني أمره سهل عذاب مثل هذا العذاب يطاق تصبرون على مثله هذا تقريرُ له، "أي إنذاري استفهام تقرير" وكيف خبر كان لكنها تقدم؛ لإن لها الصدارة "خبر كان وهي للسؤال عن الحال"، لا يسأل بها عن ذات إلا بتقدير حاله، إذا قيل: كيف زيد؟ إنما يراد كيف حال زيد "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه"{فكيف كان عذابي ونذر} يقول: "والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار"؛ لأنه استفهام تقرير فحملهم على الإقرار يعني إذا سئل استفهم كيف كان العذاب؟ هل يمكن أن يقول قائل: إنه عذاب سهل عذاب يسير يمكن أن يفر منه، يمكن أن يحاد عنه، جواب الجميع لا، لا يمكن.