{الرَّحْمَنُ} [(١) سورة الرحمن] على القول بأنها آية مستقلة قالوا: نحتاج إلى تقدير إما مبتدأ أو خبر، فإما أن نقول: اللهُ الرحمنُ هذا على تقدير مبتدأ، أو يقال: الرحمن ربنا، على تقدير أن الرحمن مبتدأ يحتاج إلى خبر، {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [(١ - ٢) سورة الرحمن] يقول: "علم من شاء القرآن" الرحمن الرب -جل وعلا- علم من شاء القرآن، يعني من شاء هدايته، ومن شاء أن يكون من خير هذه الأمة ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) من شاء له التوفيق في أمور دينه ودنياه يعلمه القرآن، بخلاف من صد عن تعلم القرآن، أو تعلمه ولم يقم به، علم من شاء، وبعضهم يقدر المفعول الأول بجبريل، علم جبريل القرآن، وجبريل نزل به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقدر المفعول الأول بدلاً من التعميم من شاء بمحمد -عليه الصلاة والسلام-، علم محمداً القرآن، وهذا رد لقول المشركين {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [(١٠٣) سورة النحل] والتعميم يشمل جبريل -عليه السلام-، ومحمد -عليه الصلاة والسلام-، ويشمل من أراد الله به خيراً من هذه الأمة، وفيهم كثرة -ولله الحمد-، سلف هذه الأمة وأئمتها عنايتهم بالقرآن لا تحتاج إلى استدلال، فلا يعرف عالم من علماء المسلمين المتقدمين من ليس له عناية بالقرآن أبداً، نعم قد يوجد في العصور المتأخرة من ينتسب إلى العلم ويهتم بالحديث ويقصر في القرآن، يوجد من يعنى بالعقيدة ويقصر في جانب القرآن، يوجد من يعنى بالفقه والأحكام من الحلال والحرام ويقصر في القرآن، لكن من علماء الأمة الربانيين الذين يستحقون هذا اللقب هذا لا يعرف فيهم، ولذا في تراجمهم ما عرفنا إلا في ترجمة ابن أبي شيبة قالوا: إنه لا يحفظ القرآن، وأما غيره ما نص عليه، دليل على أن تعلم القرآن وتعليم القرآن قاسم مشترك للعلماء كلهم من مفسرين ومحدثين وفقهاء وغيرهم، ممن له عناية بالعلم الشرعي، وعلم من شاء القرآن، فـ (علّم) يتعدى إلى مفعولين، والقرآن يطلق ويراد به المصدر القراءة، ويطلق ويراد به اسم المفعول أي المقروء، وإذا تعلم القراءة تعلم المقروء؛ لأن القرآن كما يطلق على ما بين الدفتين من كلام الله -جل علا- يطلق أيضاً على القراءة.