الشاطبي في الموافقات بحث هذه المسألة بالنسبة للدنيا واضح أنه ما في نعيم محض صرف لا يشوبه كدر، ولا في شقاء صرف لا يشوبه شيء من اللذة، بينما في الآخرة موجود هذا، وأورد على ذلك أن من في النار ويعذب بأنواع من العذاب وألون من العذاب قد يقول قائل: إنه قد يتنعم إذا رأى من هو أشد منه عذاباً، إذا رأى من هو أشد منه عذاباً قد يتلذذ؛ لأنه يرى من هو أشد منه عذاباً يقول: وفي المقابل أيضاً من في الجنة إذا رأى من هو أكثر منه نعيم قد يتألم، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن أدنى من في الجنة منزلة لا يرى أن هناك من هو أفضل منه، لا يرى أن هناك من هو أفضل منه، كما أن من هو في أقل الناس أو في أقل الناس عذاباً في النار لا يرى أن هناك من هو أدنى منه أو أقل عذاب، يعني مثلاً أبو طالب الذي شفع له النبي -عليه الصلاة والسلام- فجعل في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، أو ألبس نعلان من نار يغلي منهما دماغه لا يرى أن في النار من هو أشد منه، يعني وأي شيء أعظم من كون الدماغ يغلي بالنار؟ مع أنه يوجد من هو شر منه وأشد منه عذاباً، لكن ما في مجال لأن يوجد أي أنس بتفاوت العذاب، وكذلك أهل الجنة إذا كان أدناهم منزلة وما فيهم دني يعني آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار يقال له كما في الحديث الصحيح: تمن، فيتمنى، تنقطع به الأماني، فيقال له: أيرضيك أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ يقول: إي وربي، يقال: لك ومثله ومثله ومثله، وعشرة أمثاله، فمثل هذا لا يجد في نفسه من المنغصات ما يوجد في أمور الدنيا، تجد الإنسان عنده مئات الملايين وفي صحة تامة وعنده الولد والمسكن والمركب، وكل ما يحتاجه، لكنه إذا نظر إلى من هو إلى من هو فوقه في أمر الدنيا كأن ما عند شيء، وهذا يدلنا على حقارة هذه الدنيا، يعني إلى متى يجمع؟ إلى متى؟ ومع ذلك تجده في شقاء، لا سيما إذا نظر إلى من فوقه، ولذا أمرنا كما في الحديث الصحيح أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو أسفل منا؛ لئلا نزدري نعمة الله علينا، وأما في أمور الدين فننظر إلى من هو فوقنا؛ لكي نزيد من هذه النعمة نعمة الدين ونعمة العبادة ونعمة الطاعة، ونشمر إلى ما يرضي الله -جل وعلا-، ونسبق من سابقنا، ونسارع إلى مرضاته -سبحانه وتعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.