رب العالمين، الرب يطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى؛ لأن الرب من التربية، فالرب هو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وهو سيدهم، وهو خالقهم ومالكهم، ولا يستعمل الرب بغير إضافة إلا لله -سبحانه وتعالى-، أما بالإضافة فيجوز أن يطلق على غير الله -سبحانه وتعالى-، فتقول: رب الدار، رب الدابة، وغير ذلك، يقول ابن جرير:"والعالمون جمع عالم، والعالم لا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك" العالم لا واحد له من لفظه، والعالم اسم لأصناف الأمم فكل صنف منها عالم، وأهل كل قرنٍ من كل صنفٍ منها عالم ذلك القرن، وعالم ذلك الزمان، ولذا جاء تفضيل بن إسرائيل على العالمين، والمراد بهم على زمانهم، وإلا فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، وغُلّب في جمعه بالياء والنون أولو العلم على غيرهم، أي جمع العالمون جمع مذكر سالم، ومن شرطه أن يكون إيش؟ من شرط جمع المذكر السالم أن يكون لعاقل، فإذا قلنا: من شرط الجمع المذكر السالم أن يكون لعاقل فكيف نقول: من كل صنف من المخلوقات عالم الدواب عالم الطير عالم .. ، كيف نجمعهم جمع مذكر سالم؟ يقول الشارح: غلّبوا يعني العقلاء على غيرهم لشرفهم، فلا شك أن من يعقل أشرف ممن لا يعقل، ومنهم من خصّ العالم بالعقلاء، وعلى هذا إذا خصصنا العالم بالعقلاء، لا نحتاج إلى أن نقول: خصوا بذلك لشرفهم، بل جاء الجمع جمع المذكر السالم على أصله، وهو مروي عن ابن عباس قال في تفسير الآية: رب العالمين رب الإنس والجن، واستدل له القرطبي بقوله تعالى:{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [(١) سورة الفرقان] والعالمون هنا الإنس والجن، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(٥٦) سورة الذاريات] وقال الفراء وأبو عبيدة: "العالم عبارة عما يعقل، وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين" يعني ذكر الشياطين له داعي وإلا ما له داعي؟
طالب: ما له داعي.
لماذا؟ لأنهم من الجن والإنس {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(١١٢) سورة الأنعام] فالشياطين عقلاء، لكن لهم قلوب لا يفقهون بها، أو لا يعقلون بها، الإنس والجن والملائكة، الملائكة عقلاء وإلا ليسوا عقلاء؟