للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَا: أَخْبَرَنَا) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ أَنْبَأَنَا (يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (نِعْمَ الْأُدْمُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَبِضَمَّتَيْنِ (أَوِ الْإِدَامُ) وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ (الْخَلُّ) يَعْنِي وَقَعَ

الشَّكُّ فِي حَدِيثِهِ دُونَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ شَكٌّ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ، عَلَى الْإِبْهَامِ لَا يُلَائِمُ الْمَقَامَ، وَقَوْلُ الْحَنَفِيِّ: أَوْ لِلتَّخْيِيرِ بَعِيدٌ عَنِ الْمَرَامِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ مَدْحُ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَأْكَلِ، وَمَنْعُ النَّفْسِ مِنْ مَلَاذِّ الْأَطْعِمَةِ، وَالتَّقْدِيرُ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ، وَلَا يَعِزُّ وُجُودُهُ، وَلَا تَتَأَنَّقُوا فِي الشَّهَوَاتِ، فَإِنَّهَا مَفْسَدَةٌ فِي الدِّينِ، مَقْصَمَةٌ لِلْبَدَنِ، هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ.

وَالصَّوَابُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الِاقْتِصَادُ فِي الْمَطْعَمِ، وَتَرْكُ الشَّهَوَاتِ، فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدَ أُخَرَ، انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَدَى أُولِي الْأَلْبَابِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّوَابُ، إِذْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْدَحُ طَعَامًا، وَلَا يَذُمُّهُ، فَإِنَّ فِي الْأَوَّلِ شَائِبَةُ الشَّهْوَةِ، وَفِي الثَّانِي احْتِقَارُ النِّعْمَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: فَإِنَّهُ قَامِعٌ لِلصَّفْرَاءِ، نَافِعٌ لِلْأَبْدَانِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ تَفْضِيلًا، فَإِنَّهُ مِنَ الْحُكْمِيَّاتِ الَّتِي لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ فَائِدَةٍ، وَخَاصِّيَّةٍ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ خَوَاصِّ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ.

وَرِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مُسْلِمٍ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أَهْلَهُ الْأُدْمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ.

وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّحْدِيثِ عَلَى الْأَكْلِ تَأْنِيسًا لِلْآكِلِينَ.

وَعَنْ أُمٍّ سَعِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْخَلِّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ كَانَ إِدَامَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» .

وَفِي حَدِيثٍ: «لَمْ يُفْقَرْ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ» .

رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ بِحَسَبِ الْحَالِ الْحَاضِرِ، لَا لِتَفْضِيلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ ; لِأَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَهْلَهُ قَدَّمُوا لَهُ خُبْزًا، فَقَالَ: أَمَا مِنْ أُدْمٍ، فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَقَالَ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ.

جَبْرًا وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِ مَنْ قَدَّمَهُ، لَا تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ لَوْ حَضَرَ نَحْوُ لَحْمٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ لَبَنٍ لَكَانَ أَوْلَى بِالْمَدْحِ مِنْهُ، انْتَهَى.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَدْحُهُ، لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْأُدْمِ، هَذَا وَفِي طَلَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِدَامَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَكْلَ الْخُبْزِ مَعَ الْإِدَامِ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَوْنِهِ أُدْمًا أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أُدُمًا حَنِثَ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) قَالَ مِيرَكُ: هُوَ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ، مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ، ثِقَةٌ مُتْقِنٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنَ السَّابِعَةِ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ: أَلَسْتُمْ) الْخِطَابُ لِلتَّابِعِينَ أَوْ لِلصَّحَابَةِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ) مَا بَدَلٌ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، أَيْ أَيُّ شَيْءٍ شِئْتُمْ مِنْهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَكُونَ ظَرْفًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَفِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ خَبَرُ أَلَسْتُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَلَسْتُمْ مُتَنَعِّمِينَ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِقْدَارَ مَا شِئْتُمْ مِنَ التَّوْسِعَةِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ، فَمَا مَوْصُولَةٌ، وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعْبِيرُ تَوْبِيخٍ ; وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَأَضَافَهُ إِلَيْهِمْ لِلْإِلْزَامِ حِينَ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>