فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَمُسْتَلَذَّاتِهَا، وَفِي التَّقْلِيلِ لِمَأْكُولَاتِهَا وَمَشْرُوبَاتِهَا، وَأَمَّا قَتْلُ خَالِدٍ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، لَمَّا قَالَ لَهُ كَانَ صَاحِبُكُمْ يَقُولُ: كَذَا، فَقَالَ صَاحِبُنَا: وَلَيْسَ بِصَاحِبِكَ فَقَتَلَهُ، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، بَلْ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُ الرِّدَّةُ، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِمَا أَبَاحَ لَهُ بِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى قَتْلِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، ثُمَّ رَأَيْتُ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّظَرِ فَقَوْلُهُ: (وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ) حَالٌ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَأَدْخَلَ الْوَاوَ تَشْبِيهًا لَهُ بِخَبَرِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا، عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّ، كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، وَالدَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ التَّمْرُ الرَّدِيءُ وَيَابِسُهُ، وَمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ، فَتَرَاهُ لِيُبْسِهِ وَرَدَائَتِهِ لَا يَجْتَمِعُ، وَيَكُونُ مَنْشُورًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: (مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ) مَفْعُولُ يَجِدُ، وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَمِنَ الدَّقَلِ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ.
(حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ) نِسْبَةً إِلَى خُزَاعَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ) أَيِ الثَّوْرِيِّ (عَنْ مُحَارِبِ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (بْنِ دِثَارٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ كَذَا فِي الْجَامِعِ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَالثَّلَاثَةُ أَيْضًا، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ كَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا.
(حَدَّثَنَا هَنَّادٌ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ (عَنْ زَهْدَمٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (الْجَرْمِيِّ) بِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ، كَذَا فِي الْجَامِعِ، وَذُكِرَ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جِيءَ (بِلَحْمِ دَجَاجٍ) قَالَ الْحَنَفِيُّ: مَفْعُولٌ قَائِمٌ مَقَامَ فَاعِلِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: نَائِبُ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ أَبِي مُوسَى، وَزَعَمَ أَنَّهُ بِلَحْمِ دَجَاجٍ، غَلَطٌ فَاحِشٌ، انْتَهَى.
وَفِي كَوْنِهِ غَلَطًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا، نَظَرٌ ظَاهِرٌ إِذِ التَّقْدِيرُ أُتِيَ بِلَحْمِ دَجَاجٍ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ لِلْحَاضِرِينَ، كَمَا سَيَأْتِي فَتُقُدِّمَ طَعَامُهُ.
ثُمَّ الدَّجَاجُ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَنَقَلَ مِيرَكُ عَنِ الشَّيْخِ أَنَّ الدَّجَاجَ اسْمُ جِنْسٍ، وَهُوَ مُثَلَّثُ الدَّالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ مَائِدٍ، وَلَمْ يَحْكِ النَّوَوِيُّ ضَمَّ الدَّالِ، وَاحِدَةُ دَجَاجَةٍ مُثَلَّثَةٌ أَيْضًا، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمَّ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَأَفَادَ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِهِ أَنَّ الدِّجَاجَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ، الْوَاحِدُ مِنْهَا دِيكٌ، وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْإِنَاثِ دُونَ الذُّكْرَانِ، وَالْوَاحِدُ دَجَاجَةٌ بِالْفَتْحِ أَيْضًا، سُمِّيَ بِهِ لِإِسْرَاعِهِ مِنْ دَجَّ يَدِجُّ مِنْ حَدِّ نَصَرَ إِذَا بَالَغَ فِي السَّيْرِ سَرِيعًا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ دَجَاجٌ كَمَا يَأْتِي (فَتَنَحَّى) مِنَ التَّنَحِّي مِنَ النَّحْوِ أَيْ صَارَ إِلَى طَرَفِ الْقَوْمِ
وَتَبَاعَدَ (رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) قِيلَ: هُوَ زَهْدَمُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَى حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى مِنَ الْمَوَالِي.
وَزَعَمَ أَنَّهُ زَهْدَمُ، وَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِرَجُلٍ لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ ; لِأَنَّ زَهْدَمَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَيَّنَهُ بِصِفَتِهِ وَنِسْبَتِهِ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو مُوسَى (مَا لَكَ) اسْتِفْهَامٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ أَيُّ شَيْءٍ مَانِعٌ أَوْ بَاعِثٌ لَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ مِنَ التَّنَحِّي (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِنِّي رَأَيْتُهَا) أَيْ أَبْصَرْتُ الدَّجَاجَةَ - جِنْسُهَا - حَالَ كَوْنِهَا (تَأْكُلُ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْقَاذُورَاتِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute